الْخَلْقِ الْمَذْكُورِ
فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ هَذَا وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [النَّمْل: 87] وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ [يس: 59] فَيُحْشَرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ مُكَذِّبُو رَسُولِهَا.
وَالْفَوْجُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. ومِنْ الدَّاخِلَةُ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ تَبْعِيضِيَّةٌ وَأَمَّا (مِنَ) الدَّاخِلَة على مِمَّنْ يُكَذِّبُ فَيَجُوزُ جَعْلُهَا بَيَانِيَّةً فَيَكُونُ فَوْجُ كُلِّ أُمَّةٍ هُوَ جمَاعَة المكذبين مِنْهَا، أَي يحْشر من الْأمة كفارها وَيبقى صالحوها. وَيجوز جعل (من) هَذِه تبعيضية أَيْضا بِأَن يكون الْمَعْنى إِخْرَاج فَوْج من المكذبين من كل أمة. وَهَذَا الْفَوْجُ هُوَ زُعَمَاءُ الْمُكَذِّبِينَ وَأَئِمَّتُهُمْ فَيَكُونُونَ فِي الرَّعِيلِ الْأَوَّلِ إِلَى الْعَذَابِ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذْ قَالَ: مِثْلُ أَبِي جَهْلٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ يُسَاقُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَهْلِ مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ يُسَاقُ أَمَامَ كُلِّ طَائِفَةٍ زُعَمَاؤُهَا. وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ فَهُمْ يُوزَعُونَ فِي قِصَّةِ سُلَيْمَانَ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ [17] .
وَالْمَعْنَى هُنَا: أَنَّهُمْ يُزْجَرُونَ إِغْلَاظًا عَلَيْهِمْ كَمَا يُفْعَلُ بِالْأَسْرَى.
وَالْقَوْلُ فِي حَتَّى إِذا جاؤُ كَالْقَوْلِ فِي حَتَّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ [النَّمْلِ: 18] وَلَمْ يُذْكَرِ الْمَوْضِعُ الَّذِي جَاءُوهُ لِظُهُورِهِ وَهُوَ مَكَانُ الْعَذَابِ، أَيْ جَهَنَّمُ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ حَتَّى إِذا مَا جاؤُها [فُصِّلَتْ: 20] .
وحَتَّى فِي حَتَّى إِذا جاؤُ ابْتِدَائِيَّةٌ. وإِذا الْوَاقِعَةُ بَعْدَ حَتَّى ظَرْفِيَّةٌ وَالْمَعْنَى: حَتَّى حِينَ جَاءُوا.
وَفِعْلُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي هُوَ صَدْرُ الْجُمْلَةِ فِي التَّقْدِيرِ وَمَا قَبْلَهُ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ لِلِاهْتِمَامِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَقَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا وَحِينَ جَاءُوا. وَفِي قالَ الْتِفَاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ.
وَقَوْلُهُ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي قَوْلٌ صَادِرٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى يَسْمَعُونَهُ أَوْ يُبَلِّغُهُمْ إِيَّاهُ الْمَلَائِكَةُ.
وَالِاسْتِفْهَامُ يَجُوزُ أَن يكون توبيخيا مُسْتَعْمَلًا فِي لَازِمِهِ وَهُوَ الْإِلْجَاءُ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الْمُسْتَفْهَمَ عَنْهُ وَاقِعٌ مِنْهُمْ تَبْكِيتًا لَهُمْ، وَلِهَذَا عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْله أَمَّا ذَا كُنْتُمْ