وَقالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ [6] .
وَالْبُورُ: جَمْعُ بَائِرٍ كَالْعُوذِ جَمْعِ عَائِذٍ، وَالْبَائِرُ: هُوَ الَّذِي أَصَابَهُ الْبَوَارُ، أَيِ الْهَلَاكُ.
وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ [إِبْرَاهِيم: 28] أَيِ الْمَوْتِ. وَقَدِ اسْتُعِيرَ الْبَوْرُ لِشِدَّةِ سُوءِ الْحَالَةِ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ الَّذِي يَعُدُّ الْهَلَاكَ آخِرَ مَا يَبْلُغُ إِلَيْهِ الْحَيُّ مِنْ سُوءِ الْحَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ [التَّوْبَة: 42] ، أَيْ سُوءُ حَالِهِمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ. وَقِيلَ: الْبَوَارُ الْفَسَادُ فِي لُغَةِ الْأَزْدِ وَأَنَّهُ وَمَا اشْتُقَّ مِنْهُ مِمَّا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ لُغَةِ مُضَرَ.
وَاجْتِلَابُ فِعْلِ (كَانَ) وَبِنَاءُ بُوراً عَلَى قَوْماً دُونَ أَنْ يُقَالَ: حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَبَارُوا لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِ الْبَوَارِ مِنْهُمْ بِمَا تَقْتَضِيهِ (كَانَ) مَنْ تَمَكُّنِ مَعْنَى الْخَبَرِ، وَمَا يَقْتَضِيهِ (قَوْمًا) مِنْ كَوْنِ الْبَوَارِ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [164] .
[19]
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (19)
فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً.
الْفَاءُ فَصِيحَةٌ، أَيْ إِفْصَاحٌ عَنْ حُجَّةٍ بَعْدَ تَهْيِئَةِ مَا يَقْتَضِيهَا، وَهُوَ إِفْصَاحٌ رَائِعٌ وَزَادَهُ
الِالْتِفَاتُ فِي قَوْلِهِ: كَذَّبُوكُمْ.
وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ فِعْلِ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ. وَالتَّقْدِيرُ: إِنْ قُلْتُمْ هَؤُلَاءِ آلِهَتُنَا فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ، وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْمَحْذُوفِ فِي قَوْلِ عَبَّاسِ بْنِ الْأَحْنَفِ:
قَالُوا خُرَاسَانُ أَقْصَى مَا يُرَادُ بِنَا ... ثُمَّ الْقُفُولُ فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَا
أَيْ إِنْ قُلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ جِئْنَا خُرَاسَانَ. وَفِي حَذْفِ فِعْلِ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ اسْتِحْضَارٌ لِصُورَةِ الْمَقَامِ كَأَنَّهُ مُشَاهَدٌ غَيْرُ مَحْكِيٍّ وَكَأَنَّ السَّامِعَ آخِرَ الْآيَةِ قَدْ سَمِعَ لِهَذِهِ الْمُحَاوَرَةِ مُبَاشَرَةً دُونَ حِكَايَةٍ فَقَرَعَ سَمْعَهُ شَهَادَةُ الْأَصْنَامِ عَلَيْهِمْ