مِنْ قَوْلِهِ:
الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، أَيْ كَانَ الْوَعْد وَعدا مسؤولا وَأَخْبَرَ عَنِ الْوَعْدِ بِ وَعْداً وَهُوَ عَيْنُهُ ليبنى عَلَيْهِ مَسْؤُلًا.
وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى مَا يَشاؤُنَ وَالْإِخْبَارُ عَنْهُ بِ وَعْداً مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْمَصْدَرِ وَالْمُرَادُ الْمَفْعُولُ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ.
وَيَتَعَلَّقُ: عَلى رَبِّكَ بِ وَعْداً لِتَضْمِينِ وَعْداً مَعْنَى (حَقًّا) لِإِفَادَةِ أَنَّهُ وَعْداً لَا يُخْلَفُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ [الْأَنْبِيَاء: 104] .
وَالْمَسْئُولُ: الَّذِي يَسْأَلُهُ مُسْتَحِقُّهُ وَيُطَالِبُ بِهِ، أَيْ حَقًّا لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَتَرَقَّبُوا حُصُولَهُ كَأَنَّهُ أَجْرٌ لَهُمْ عَنْ عَمَلٍ. وَهَذَا مَسُوقٌ مَسَاقَ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحْقِيقِ الْوَعْدِ وَالْكَرَمِ كَمَا يَشْكُرُكَ شَاكِرٌ عَلَى إِحْسَانٍ فَتَقُولُ: مَا أَتَيْتُ إِلَّا وَاجِبًا، إِذْ لَا يَتَبَادَرُ هُنَا غَيْرُ هَذَا الْمَعْنَى، إِذْ لَا مَعْنَى لِلْوُجُوبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى سِوَى أَنَّهُ تَفَضُّلٌ وَتَعَهُّدٌ بِهِ، وَلَا يَخْتَلِفُ فِي هَذَا أَهْلُ الْمِلَّةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ إخلاف الْوَعْد.
[17، 18]
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قالُوا سُبْحانَكَ مَا كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (18)
عُطِفَ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ إِمَّا عَلَى جُمْلَةِ: قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ [الْفرْقَان: 15] إِنْ كَانَ الْمُرَادُ: قُلْ لِلْمُشْرِكِينَ، أَوْ عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ: وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً [الْفرْقَان:
11] عَلَى جَوَازِ أَنَّ الْمُرَادَ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ.
وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ فَانْتِصَابُ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ