ذَلِكَ وَصْفَ دَاخِلِ جَهَنَّمَ وَوَصْفَ وَضْعِ الْمُشْرِكِينَ فِيهَا بِقَوْلِهِ: مَكاناً ضَيِّقاً وَقَوْلِهِ: مُقَرَّنِينَ تَفَنُّنًا فِي أُسْلُوبِ الْكَلَامِ.
وَالْإِلْقَاءُ: الرَّمْيُ. وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْإِهَانَةِ.
وَانْتَصَبَ مَكاناً عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ فِي مَكَانٍ ضَيِّقٍ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ضَيِّقاً بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ، وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ ضَيِّقاً بِسُكُونِ الْيَاءِ وَكِلَاهُمَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَصْفِ مِثْلُ: مَيِّتٍ وَمَيْتٍ، لِأَنَّ الضَّيِّقَ بِالتَّشْدِيدِ صِيغَةُ تَمَكُّنِ الْوَصْفِ مِنَ الْمَوْصُوفِ، وَالضَّيْقَ بِالسُّكُونِ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ.
ومُقَرَّنِينَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أُلْقُوا أَيْ مُقَرَّنًا بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ كَحَالِ الْأَسْرَى وَالْمَسَاجِينِ أَنْ يُقْرَنَ عَدَدٌ مِنْهُمْ فِي وِثَاقٍ وَاحِدٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ [ص: 38] . وَالْمُقَرَّنُ: الْمَقْرُونُ، صِيغَتْ لَهُ مَادَّةُ التَّفْعِيلِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى شِدَّةِ الْقَرْنِ.
وَالدُّعَاءُ: النِّدَاءُ بِأَعْلَى الصَّوْتِ، وَالثُّبُورُ: الْهَلَاكُ، أَيْ نَادَوْا: يَا ثبورنا، أَو وَا ثبوراه بِصِيغَةِ النُّدْبَةِ، وَعَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فَالنِّدَاءُ كِنَايَةٌ عَنِ التَّمَنِّي، أَيْ تَمَنَّوْا حُلُولَ الْهَلَاكِ فَنَادَوْهُ كَمَا يُنَادَى مَنْ يُطْلَبُ حُضُورُهُ، أَوْ نَدَبُوهُ كَمَا يُنْدَبُ مَنْ يُتَحَسَّرُ عَلَى فَقْدِهِ، أَيْ تَمَنَّوُا الْهَلَاكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ مِنْ فَظِيعِ الْعَذَابِ.
وَجُمْلَةُ: لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً إِلَى آخِرِهَا مَقُولَةٌ لِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ، وَوصف الثبور با لكثير إِمَّا لِكَثْرَةِ نِدَائِهِ بِالتَّكْرِيرِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ حُصُولِ الثُّبُورِ لِأَنَّ انْتِهَاءَ النِّدَاءِ يَكُونُ بِحُضُورِ الْمُنَادَى، أَوْ هُوَ يَأْسٌ يَقْتَضِي تَكْرِيرَ التَّمَنِّي أَو التحسر.
[15، 16]
قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيها مَا يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً