وَأُسْلُوبُ السُّورَةِ وَأَغْرَاضُهَا شَاهِدَةٌ بِأَنَّهَا مَكِّيَّةٌ.
وَهِيَ السُّورَةُ الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ فِي تَرْتِيبِ النُّزُولِ، نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ يس وَقَبْلَ سُورَةِ فاطر، وَعدد آيها سَبْعٌ وَسَبْعُونَ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعَدَدِ.
وَاشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ على الِابْتِدَاء بتمجيد اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْشَاءِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَوَصْفِهِ بِصِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ فِيهَا.
وَأُدْمِجَ فِي ذَلِكَ التَّنْوِيهُ بِالْقُرْآنِ، وَجَلَالُ مَنْزِلِهِ، وَمَا فِيهِ مِنَ الْهُدَى، وَتَعْرِيضٌ بِالِامْتِنَانِ عَلَى النَّاسِ بِهَدْيِهِ وَإِرْشَادِهِ إِلَى اتِّقَاءِ الْمَهَالِكِ، وَالتَّنْوِيهُ بِشَأْنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَأُقِيمَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى ثَلَاثِ دَعَائِمَ:
الْأُولَى: إِثْبَاتُ أَنَّ الْقُرْآنَ مُنَزَّلٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَالتَّنْوِيهُ بِالرَّسُولِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَلَائِلُ صِدْقِهِ، وَرِفْعَةِ شَأْنِهِ عَنْ أَنْ تَكُونَ لَهُ حُظُوظُ الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ عَلَى طَرِيقَةِ غَيْرِهِ مِنَ الرُّسُلِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَلَقِّي قَوْمِهِ دَعْوَتَهُ بِالتَّكْذِيبِ.
الدِّعَامَةُ الثَّانِيَةُ: إِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ، وَالْإِنْذَارُ بِالْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ، وَالتَّبْشِيرُ بِالثَّوَابِ فِيهَا لِلصَّالِحِينَ، وَإِنْذَارُ الْمُشْرِكِينَ بِسُوءِ حَظِّهِمْ يَوْمَئِذٍ، وَتَكُونُ لَهُمُ النَّدَامَةُ عَلَى تَكْذِيبِهِمُ الرَّسُولَ وَعَلَى إِشْرَاكِهِمْ وَاتِّبَاعِ أَيِمَّةِ كُفْرِهِمْ.
الدِّعَامَةُ الثَّالِثَةُ: الِاسْتِدْلَالُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ، وَتَفَرُّدِهِ بِالْخَلْقِ، وَتَنْزِيهِهِ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ شَرِيكٌ، وَإِبْطَالُ إِلَهِيَّةِ الْأَصْنَامِ، وَإِبْطَالُ مَا زَعَمُوهُ مِنْ بُنُوَّةِ الْمَلَائِكَةِ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَافْتُتِحَتْ فِي آيَاتِ كُلِّ دِعَامَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ بِجُمْلَةِ «تَبَارَكَ الَّذِي» إِلَخْ.
قَالَ الطِّيبِيُّ: مَدَارُ هَذِهِ السُّورَةِ عَلَى كَوْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَبْعُوثًا إِلَى النَّاسِ كَافَّةً يُنْذِرُهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلِهَذَا جَعَلَ بَرَاعَةَ اسْتِهْلَالِهَا