وَانْتَصَبَ تَحِيَّةً عَلَى الْحَالِ مِنَ التَّسْلِيمِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ فَسَلِّمُوا نَظِيرَ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَصْدَرِ فِي قَوْلِهِ: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: 8] .
وَالْمُبَارَكَةُ: الْمَجْعُولَةُ فِيهَا الْبَرَكَةُ. وَالْبَرَكَةُ: وَفْرَةُ الْخَيْرِ. وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ التَّحِيَّةُ مُبَارَكَةً لِمَا فِيهَا مِنْ نِيَّةِ الْمُسَالَمَةِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ وَالْمُخَالَطَةِ وَذَلِكَ يُوَفِّرُ خَيْرَ الْأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
وَالطَّيِّبَةُ: ذَاتُ الطِّيبِ، وَهُوَ طِيبٌ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى النَّزَاهَةِ وَالْقَبُولِ فِي نُفُوسِ النَّاسِ وَوَجْهُ طِيبِ التَّحِيَّةِ أَنَّهَا دُعَاءٌ بِالسَّلَامَةِ وَإِيذَانٌ بِالْمُسَالَمَةِ وَالْمُصَافَاةِ. وَوَزَنُ طَيِّبَةً فَيْعِلَةٌ مُبَالَغَةً فِي الْوَصْفِ مِثْلَ: الْفَيْصَلِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً فِي آلِ عِمْرَانَ [38] وَفِي قَوْلِهِ: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ فِي سُورَةِ يُونُسَ [22] .
وَالْمَعْنَى أَنَّ كَلِمَةَ «السَّلَامِ عَلَيْكُمْ» تَحِيَّةُ خَيْرٍ مِنْ تَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [يُونُس: 10] أَيْ تَحِيَّتُهُمْ هَذَا اللَّفْظُ.
وَجُمْلَةُ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ تَكْرِيرٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ الْوَاقِعَتَيْنِ قَبْلَهَا فِي آيَةِ الِاسْتِئْذَانِ لِأَنَّ فِي كُلِّ مَا وَقَعَ قَبْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بَيَانًا لِآيَاتِ الْقُرْآنِ اتَّضَحَتْ بِهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا وَهُوَ بَيَانٌ يُرْجَى مَعَهُ أَنْ يَحْصُلَ لَكُمُ الْفَهْمُ وَالْعِلْمُ بِمَا فِيهِ كَمَال شَأْنكُمْ.
[62]
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ