فَصَارَ كَأَنَّهَا فِي الْبَحْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [19] إِذْ جَعَلَ الظُّلُمَاتِ فِي الصَّيِّبِ.

وَاللُّجِّيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى اللُّجَّةِ، وَاللُّجُّ هُوَ مُعْظَمُ الْبَحْرِ، أَيْ فِي بَحْرٍ عَمِيقٍ، فَالنَّسَبُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّمَكُّنِ مِنَ الْوَصْفِ كَقَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:

وَالدَّهْرُ بِالْإِنْسَانِ دَوَّارِيٌّ.

أَيْ دَوَّارٌ، وَكَقَوْلِهِمْ: رَجُلٌ مُشْرِكِيٌّ وَرَجُلٌ غِلَابِيٌّ، أَيْ قَوِيُّ الشِّرْكِ وَكَثِيرُ الْغَلَبِ.

وَالْمَوْجُ: اسْمُ جَمْعِ مَوْجَةٍ وَالْمَوْجَةُ: مِقْدَارٌ يَتَصَاعَدُ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ أَوِ النَّهْرِ عَنْ سَطْحِ مَائِهِ بِسَبَبِ اضْطِرَابٍ فِي سَطْحِهِ بِهُبُوبِ رِيحٍ مِنْ جَانِبِهِ يَدْفَعُهُ إِلَى الشَّاطِئِ. وَأَصْلُهُ مَصْدَرُ:

مَاجَ الْبَحْر، أَي اضْطِرَاب وَسُمِّي بِهِ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ.

وَمَعْنَى: مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ أَنَّ الْمَوْجَ لَا يَتَكَسَّرُ حَتَّى يَلْحَقَهُ مَوْجٌ آخَرُ مِنْ فَوْقِهِ وَذَلِكَ أَبْقَى لِظُلْمَتِهِ.

وَالسَّحَابُ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الرَّعْدِ [12] . وَالسَّحَابُ يَزِيدُ الظُّلْمَةَ إِظْلَامًا لِأَنَّهُ يَحْجِبُ ضَوْءَ النَّجْمِ وَالْهِلَالِ.

وَقَوْلُهُ: ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ اسْتِئْنَافٌ. وَالتَّقْدِيرُ: هِيَ ظُلُمَاتٌ وَالْمُرَادُ بِالظُّلُمَاتِ الَّتِي هُنَا غَيْرُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: أَوْ كَظُلُماتٍ لِأَنَّ الْجَمْعَ هُنَا جَمْعُ أَنْوَاعٍ وَهُنَالِكَ جَمْعُ أَفْرَادٍ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ.

وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: سَحابٌ ظُلُماتٌ بِالتَّنْوِينِ فِيهِمَا. وَقَرَأَ الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بترك التَّنْوِين فِي سَحابٌ وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى ظُلُماتٌ. وَقَرَأَهُ قُنْبُلٌ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِرَفْعِ سَحابٌ مُنَوَّنًا وَبِجَرِّ ظُلُماتٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ: أَوْ كَظُلُماتٍ.

وَقَوْلُهُ: لَمْ يَكَدْ يَراها هُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ [الْبَقَرَة: 71] وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ قِصَّةِ بَيْتِ ذِي الرُّمَّةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015