إِلَى مُتَقَرِّرٍ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَيْنُ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ كَقَوْلِ خُفَافِ بْنِ نُدْبَةَ:
تَأَمَّلْ خُفَافًا إِنَّنِي أَنَا ذَلِكَا (?) وَقَوْلُ طَرِيفٍ الْعَنْبَرِيِّ:
فَتَوَسَّمُونِي إِنَّنِي أَنَا ذَالِكُمْ (?) وَأَوْسَعُ مِنْهُ عِنْدَهُمْ نَحْوَ قَوْلِ أَبِي النَّجْمِ:
أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي شِعْرِي ثُمَّ إِذَا أَرَادُوا الْعِنَايَةَ بِتَحْقِيقِ هَذَا الِاتِّحَاد جَاءُوا «بهَا التَّنْبِيهِ» فَقَالُوا: هَا أَنَا ذَا يَقُولُهُ الْمُتَكَلِّمُ لِمَنْ قَدْ يَشُكُّ أَنَّهُ هُوَ نَحْوَ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
إِنَّ الْفَتَى مَنْ يَقُولُ هَا أَنَا ذَا (?) فَإِذَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي صَحَّحَ الْأَخْبَارَ مَعْلُومًا اقْتَصَرَ الْمُتَكَلِّمُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا اتَّبَعَ مِثْلَ ذَلِكَ التَّرْكِيبِ بِجُمْلَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْحَالِ الَّتِي اقْتَضَتْ ذَلِكَ الْإِخْبَارَ وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ مَرَاتِبُ:
الْأُولَى ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ، الثَّانِيَةُ: هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ [آل عمرَان: 119] . وَمِنْهُ «هَا أَنَا ذَا لَدَيْكُمَا» قَالَهُ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ. الثَّالِثَةُ هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
[النِّسَاء: 109] وَيُسْتَفَادُ مَعْنَى التَّعَجُّبِ فِي أَكْثَرِ مَوَاقِعِهِ مِنَ الْقَرِينَةِ كَمَا تَقُولُ لِمَنْ وَجَدْتَهُ حَاضِرًا وَكُنْتَ لَا تَتَرَقَّبُ حُضُورَهُ هَا أَنْتَ ذَا، أَوْ مِنَ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَهُ إِذَا كَانَ مَفَادُهَا عَجِيبًا كَمَا رَأَيْتَ فِي الْأَمْثِلَةِ.
وَالْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُبْتَدَأً وَخَبَرًا وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُمَا حَالًا، وَقِيلَ:
هِيَ مُسْتَأْنِفَةٌ لِبَيَانِ مَنْشَأِ التَّعَجُّبِ، وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ هِيَ الْخَبَرُ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ مُنَادَى مُعْتَرِضٌ وَمَنَعَهُ سِيبَوَيْهِ، وَقِيلَ: اسْمُ الْإِشَارَةِ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهَذَا ضَعِيفٌ.
وَعَلَى الْخِلَافِ فِي مَوْقِعِ الْجُمْلَةِ اخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ أَتَى بَعْدَهَا أَنْتَ ذَا وَنَحْوُهُ بِمُفْرَدٍ فَقِيلَ يَكُونُ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ وَقِيلَ: مَرْفُوعًا عَلَى الْخَبَرِ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا مِثَالٌ أَنْشَدَهُ النُّحَاةُ وَهُوَ قَوْلُهُ:
أَبَا حَكَمٍ هَا أَنْتَ نَجْمُ مُجَالِدٍ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ جَاءَ ابْنُ مَالِكٍ فِي خُطْبَةِ «التَّسْهِيلِ» بِقَوْلِهِ: وَهَا أَنَا سَاعٍ فِيمَا انْتُدِبْتُ إِلَيْهِ، وَجَاءَُُُُُُ