تَعَالَى: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً [النِّسَاء: 130] . أَمَّا إِذَا ذَكَرْتَ السِّعَةَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَيُرَادُ بِهَا الْإِحَاطَةُ فِيمَا تَمَيَّزَ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [الْأَعْرَاف: 89] .
وَذِكْرُ عَلِيمٌ بَعْدَ واسِعٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُعْطِي فَضْلَهُ عَلَى مُقْتَضَى مَا عَلِمَهُ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي مِقْدَارِ الْإِعْطَاءِ.
[33]
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْراهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ.
أَمَرَ كُلَّ مَنْ تَعَلَّقَ بِهِ الْأَمْرُ بِالْإِنْكَاحِ بِأَنْ يُلَازِمُوا الْعَفَافَ فِي مُدَّةِ انْتِظَارِهِمْ تَيْسِيرَ النِّكَاحِ لَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ أَوْ بِإِذْنِ أَوْلِيَائِهِمْ وَمَوَالِيهِمْ. وَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْفِعْلِ، أَيْ وَلْيَعِفَّ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا. وَوَجْهُ دِلَالَتِهِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ أَنَّهُ فِي الْأَصْلِ اسْتِعَارَةٌ. جعل طَلَبَ الْفِعْلِ بِمَنْزِلَةِ طَلَبِ السَّعْيِ فِيهِ لِيَدُلَّ عَلَى بَذْلِ الْوُسْعِ.
وَمَعْنَى لَا يَجِدُونَ نِكاحاً لَا يَجِدُونَ قُدْرَةً عَلَى النِّكَاحِ فَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ. وَقِيلَ النِّكَاحُ هُنَا اسْمُ مَا هُوَ سَبَبُ تَحْصِيلِ النِّكَاحِ كَاللِّبَاسِ وَاللِّحَافِ. فَالْمُرَادُ الْمَهْرُ الَّذِي يُبْذَلُ لِلْمَرْأَةِ.
وَالْإِغْنَاءُ هُنَا هُوَ إِغْنَاؤُهُمْ بِالزَّوَاجِ. وَالْفَضْلُ: زِيَادَةُ الْعَطَاءِ.
وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللَّهِ الَّذِي آتاكُمْ.
لَمَّا ذُكِرَ وَعْدُ اللَّهِ مَنْ يُزَوَّجُ مِنَ الْعَبِيدِ الْفُقَرَاءِ بِالْغِنَى وَكَانَ مِنْ وَسَائِلِ غِنَاهُ أَنْ يَذْهَبَ يَكْتَسِبُ بِعَمَلِهِ وَكَانَ ذَلِكَ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْعَبْدُ لِأَنَّهُ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِ