وَالطَّائِفَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [102] ، وَعِنْدَ قَوْلِهِ: أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا فِي آخِرِ الْأَنْعَامِ [156] . وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِ عَدَدِهَا هُنَا. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَدَدٌ تَحْصُلُ بِخَبَرِهِ الِاسْتِفَاضَةُ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: أَرْبَعَةٌ اعْتِبَارًا بِشَهَادَةِ الزِّنَا. وَقِيلَ عَشْرَةٌ.
وَظَاهِرُ الْأَمْرِ يَقْتَضِي وُجُوبَ حُضُورِ طَائِفَةٍ لِلْحَدِّ. وَحَمَلَهُ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى النَّدْبِ وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَصْرِيحٍ بِحُكْمِهِ فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ. وَيَظْهَرُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَصْحَابِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَمِنَ اخْتِلَافِهِمْ فِي أقل مَا يجزىء مِنْ عَدَدِ الطَّائِفَةِ أَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْوُجُوبِ إِذْ هُوَ مَحْمَلُ الْأَمْرِ عِنْدَ مَالِكٍ. وَأَيَّا مَا كَانَ حُكْمُهُ فَهُوَ فِي الْكِفَايَةِ وَلَا يُطَالَبُ بِهِ مَنْ لَهُ بِالْمَحْدُودِ مَزِيدُ صِلَةٍ يُحْزِنُهُ أَنْ يُشَاهِدَ إِقَامَةَ الْحَد عَلَيْهِ.
[3]
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3)
هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ مُسْتَقِلَّةً بِأَوَّلِهَا وَنِهَايَتِهَا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي ذِكْرِ سَبَبِ نُزُولِهَا، سَوَاءٌ كَانَ نُزُولُهَا قَبْلَ الْآيَاتِ الَّتِي افْتُتِحَتْ بِهَا السُّورَةُ أَمْ كَانَ نُزُولُهَا بَعْدَ تِلْكَ الْآيَاتِ. فَهَذِهِ الْجُمْلَةُ ابْتِدَائِيَّةٌ. وَمُنَاسَبَةُ مَوْقِعِهَا بَعْدَ الْجُمْلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَاضِحَةٌ.
وَقَدْ أَعْضَلَ مَعْنَاهَا فَتَطَلَّبَ الْمُفَسِّرُونَ وُجُوهًا مِنَ التَّأْوِيلِ وَبَعْضُ الْوُجُوهِ يَنْحَلُّ إِلَى مُتَعَدِّدٍ.
وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ: «أَنَّهُ كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ (الْغَنَوِيُّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)