فَلِذَلِكَ ضَبَطَتِ الشَّرِيعَةُ اسْتِعْمَالَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ فِي الْأُمُورِ الصَّالِحَةِ الَّتِي أَرْشَدَتْ إِلَيْهَا الدِّيَانَةُ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنُ لَهُ الْجَنَّةَ»
. وَاللَّوْمُ: الْإِنْكَارُ عَلَى الْغَيْرِ مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ لَا يَلِيقُ عِنْدَ الْمُلَائِمِ، وَهُوَ مُرَادِفُ الْعَذْلِ وَأَضْعَفُ مِنَ التَّعْنِيفِ.
ووَراءَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ. وَأَصْلُ الْوَرَاءِ اسْمُ الْمَكَانِ الَّذِي فِي جِهَةِ الظَّهْرِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الْخَارِجِ عَنِ الْحَدِّ الْمَحْدُودِ تَشْبِيهًا لِلْمُتَجَاوِزِ الشَّيْءَ بِشَيْءٍ مَوْضُوعٍ خَلْفَ ظَهْرِ ذَلِكَ الشَّيْءِ لِأَنَّ مَا كَانَ مِنْ أَعْلَاقِ الشَّخْصِ يُجْعَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِمَرْأَى مِنْهُ وَمَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ يُنْبَذُ وَرَاءَ الظَّهْرِ، وَهَذَا التَّخَيُّلُ شَاعَ عَنْهُ هَذَا الْإِطْلَاقُ بِحَيْثُ يُقَالُ:
هُوَ وَرَاءَ الْحَدِّ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقْبِلَهُ. ثُمَّ تُوُسِّعَ فِيهِ فَصَارَ بِمَعْنَى (غَيْرَ) أَوْ (مَا عَدَا) كَمَا هُنَا، أَيْ فَمَنِ ابْتَغَوْا بِفُرُوجِهِمْ شَيْئًا غَيْرَ الْأَزْوَاجِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ.
وَأُتِيَ لَهُمْ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ لِزِيَادَةِ تَمْيِيزِهِمْ بِهَذِهِ الْخَصْلَةِ الذَّمِيمَةِ لِيَكُونَ وَصْفُهُمْ بِالْعُدْوَانِ مَشْهُورًا مُقَرَّرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [177] ، وَالْعَادِي هُوَ الْمُعْتَدِي، أَيِ الظَّالِمُ لِأَنَّهُ عَدَا عَلَى الْأَمْرِ.
وَتَوْسِيطُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ لِتَقْوِيَةِ الْحُكْمِ، أَيْ هُمُ الْبَالِغُونَ غَايَةَ الْعُدْوَانِ عَلَى الْحُدُودِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَالْقَوْلُ فِي إِعَادَةِ الْمَوْصُولِ وَتَقْدِيمِ الْمَعْمُولِ كَمَا مرّ.
[8]
وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (8)
هَذِهِ صِفَةٌ أُخْرَى مِنْ جَلَائِلِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ تَنْحَلُّ إِلَى فَضِيلَتَيْنِ هُمَا فَضِيلَةُ أَدَاءِ الْأَمَانَةِ الَّتِي يُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهَا وَفَضِيلَةُ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ.