وَغَالِبُ الْجُمَلِ الْمُفْتَتَحَةِ بِضَمِيرِ الشَّأْنِ اقْتِرَانُهَا بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ.

وَالْقَصْرُ الْمُسْتَفَادُ مِنَ النَّفْيِ وَحَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ قَصْرٌ ادِّعَائِيٌّ لِلْمُبَالَغَةِ بِجَعْلِ فَقْدِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ الْمُسَمَّى بِالْعَمَى كَأَنَّهُ غَيْرُ عَمًى، وَجَعْلِ عَدَمِ الِاهْتِدَاءِ إِلَى دَلَالَةِ الْمُبْصَرَاتِ مَعَ سَلَامَةِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ هُوَ الْعَمَى مُبَالَغَةً فِي اسْتِحْقَاقِهِ لِهَذَا الِاسْمِ الَّذِي اسْتُعِيرَ إِلَيْهِ، فَالْقَصْرُ تَرْشِيحٌ لِلِاسْتِعَارَةِ.

فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَفَانِينُ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْبَيَانِ وَبَدَاعَةِ النَّظْمِ.

والَّتِي فِي الصُّدُورِ صفة ل الْقُلُوبُ تُفِيدُ تَوْكِيدًا لِلَفْظِ الْقُلُوبُ. فَوِزَانُهُ وِزَانُ الْوَصْفِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ [الْأَنْعَام: 38] . وَوِزَانُ الْقَيْدِ فِي قَوْلِهِ:

يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ [آل عمرَان: 167] فَهُوَ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيرِ وَالتَّشْخِيصِ.

وَيُفِيدُ هَذَا الْوَصْفُ وَرَاءَ التَّوْكِيدِ تَعْرِيضًا بِالْقَوْمِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِأَفْئِدَتِهِمْ مَعَ شِدَّةِ اتِّصَالِهَا بِهِمْ إِذْ هِيَ قَارَّةٌ فِي صُدُورِهِمْ عَلَى نَحْوِ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَالْآنَ أَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِيَ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيَّ» ، فَإِنَّ كَوْنَهَا بَيْنَ جَنْبَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ أَحَبَّ الْأَشْيَاء إِلَيْهِ.

[47]

[سُورَة الْحَج (22) : آيَة 47]

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47)

عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ [الْحَج: 42] عَطْفَ الْقِصَّةِ عَلَى الْقِصَّةِ فَإِنَّ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ أَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِالْوَعِيدِ وَقَالُوا: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فِي وَعِيدِهِ لَعَجَّلَ لَنَا وَعِيدَهُ، فَكَانُوا يَسْأَلُونَهُ التَّعْجِيلَ بِنُزُولِ الْعَذَابِ اسْتِهْزَاءً،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015