إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لِيَتَلَقَّوُا الْأَمْرَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ، أَيْ خَشْيَةِ مُخَالَفَةِ مَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، فَتَقْوَى كُلِّ فَرِيقٍ بِحَسَبِ حَالِهِمْ مِنَ التَّلَبُّسِ بِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَالتَّفْرِيطِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، لِيَسْتَبْدِلُوا ذَلِكَ بِضِدِّهِ.
وَأَوَّلُ فَرِيقٍ مِنَ النَّاسِ دُخُولًا فِي خِطَابِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ هُمُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ خَاصٌّ بِهِمْ. وَهَذَا يَشْمَلُ مُشْرِكِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَبْلَ صَفَائِهَا مِنْهُمْ.
وَفِي التَّعْبِيرِ عَنِ الذَّاتِ الْعَلِيَّةِ بِصِفَةِ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ إِيمَاءً إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ أَنْ يُتَّقَى لِعَظَمَتِهِ بِالْخَالِقِيَّةِ، وَإِلَى جَدَارَةِ النَّاسِ بِأَنْ يَتَّقُوهُ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ تَدْبِيرِ الرُّبُوبِيَّةِ لَا يَأْمُرُ وَلَا ينْهَى إِلَّا لمرعي مَصَالِحَ النَّاسِ وَدَرْءَ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ.
وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ لَا يُفِيدُهُ غَيْرُ وَصْفِ الرَّبِّ دُونَ نَحْوِ الْخَالِقِ وَالسَّيِّدِ.
وَتَعْلِيقُ التَّقْوَى بِذَاتِ الرَّبِّ يَقْتَضِي بِدَلَالَةِ الِاقْتِضَاءِ مَعْنَى اتِّقَاءِ مُخَالَفَتِهِ أَوْ عِقَابِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّقْوَى لَا تَتَعَلَّقُ بِالذَّاتِ بَلْ بِشَأْنٍ لَهَا مُنَاسِبٍ لِلْمَقَامِ. وَأَوَّلُ تَقْوَاهُ هُوَ تَنْزِيهُهُ عَنِ النَّقَائِصِ، وَفِي مُقَدِّمَةِ ذَلِكَ تَنْزِيهُهُ عَنِ الشُّرَكَاءِ بِاعْتِقَادِ وَحْدَانِيَّتِهِ فِي الْإِلَهِيَّةِ.
وَجُمْلَةُ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ فِي مَوْضِعِ الْعِلَّةِ لِلْأَمْرِ بالتقوى كَمَا يفِيدهُ حَرْفُ التَّوْكِيدِ الْوَاقِعُ فِي مَقَامِ خِطَابٍ لَا تَرَدُّدَ لِلسَّامِعِ فِيهِ.
وَالتَّعْلِيلُ يَقْتَضِي أَنَّ لِزَلْزَلَةِ السَّاعَةِ أَثَرًا فِي الْأَمْرِ بِالتَّقْوَى وَهُوَ أَنَّهُ وَقْتٌ لِحُصُولِ الْجَزَاءِ عَلَى التَّقْوَى وَعَلَى الْعِصْيَانِ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِجْمَالِ الْمُفَصَّلِ بِمَا بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ:
وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ
[الْحَج: 2] .