فَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ فِي هَذَا إِلَى الْوَعْدِ الْمَوْعُودِ فِي الزَّبُورِ وَالْمُبَلَّغِ فِي الْقُرْآنِ.

وَالْمُرَادُ بِالْقَوْمِ الْعَابِدِينَ مَنْ شَأْنُهُمُ الْعِبَادَةُ لَا يَنْحَرِفُونَ عَنْهَا قَيْدَ أُنْمُلَةٍ كَمَا أَشْعَرَ بِذَلِكَ جَرَيَانُ وَصْفِ الْعَابِدِينَ عَلَى لَفْظِ قَوْمٍ الْمُشْعِرِ بِأَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ قِوَامُ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آخِرِ [سُورَةِ يُونُسَ:

101] . فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمُ الْوَعْدَ فَاجْتَهِدُوا فِي نَوَالِهِ. وَالْقَوْمُ الْعَابِدُونَ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الموجودون يَوْمَئِذٍ وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ.

وَالْعِبَادَةُ: الْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ. قَالَ تَعَالَى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمرَان: 110] . وَقَدْ وَرِثُوا هَذَا الْمِيرَاثَ الْعَظِيمَ وَتَرَكُوهُ لِلْأُمَّةِ بَعْدَهُمْ، فَهُمْ فِيهِ أَطْوَارٌ كَشَأْنِ مُخْتَلِفِ أَحْوَالِ الرُّشْدِ وَالسَّفَهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَوَارِيثِ الْأَسْلَافِ.

وَمَا أَشْبَهَ هَذَا الْوَعْدَ الْمَذْكُورَ هُنَا وَنَوْطَهُ بِالْعِبَادَةِ بِالْوَعْدِ الَّذِي وُعِدَتْهُ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِي الْقُرْآنِ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النُّور: 55- 56] .

[107]

[سُورَة الْأَنْبِيَاء (21) : آيَة 107]

وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (107)

أُقِيمَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى عِمَادِ إِثْبَاتِ الرِّسَالَةِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَصْدِيقِ دَعْوَتِهِ. فَافْتُتِحَتْ بِإِنْذَارِ الْمُعَانِدِينَ بِاقْتِرَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015