عَلَى أَنَّ التَّشْبِيه صَالح للمماثلة فِي غَيْرِ ذَلِكَ.
رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ بِمَوْعِظَةٍ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ
الْحَدِيثَ. فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِبَعْضِ مَا أَفَادَهُ التَّشْبِيهُ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ وَاللَّفْظُ لَا يَأْبَاهُ فَيَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ مَعْنًى لِلْكَافِ مَعَ الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ السِّيَاقِ. وَهَذَا مِنْ تَفَارِيعِ الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ تَفْسِيرِنَا هَذَا.
وَانْتَصَبَ وَعْداً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِ نُعِيدُهُ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِالْإِعَادَةِ فِي مَعْنَى الْوَعْدِ بِذَلِكَ فَانْتَصَبَ عَلَى بَيَانِ النَّوْعِ لِلْإِعَادَةِ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا مُؤَكِّدًا لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ.
[105، 106]
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (105) إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً لِقَوْمٍ عابِدِينَ (106)
إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْأَرْضِ أَرْضَ الْجَنَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي [سُورَةِ الزُّمَرِ: 73- 74] وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ عَقِبَ الَّتِي تَقَدَّمَتْهَا ظَاهِرَةٌ. وَلَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: افلا ترَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها [الْأَنْبِيَاء: 44] .
وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَرْضًا مِنَ الدُّنْيَا، أَيْ مَصِيرَهَا بِيَدِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَسُوقَةً لِوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِمِيرَاثِ الْأَرْضِ الَّتِي لَقُوا فِيهَا الْأَذَى، وَهِيَ أَرْضُ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، فَتَكُونُ بِشَارَةً بِصَلَاحِ حَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ بِشَارَتِهِمْ بِحُسْنِ مَآلِهِمْ فِي الْآخِرَةِ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى: