كَمَا سَيُعْتَنَى بِهِمْ عَقِبَ تَفْصِيلِ وَعِيدِ الْكَافِرِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ [الْأَنْبِيَاء:
101] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ.
وَالْكُفْرَانُ مَصْدَرٌ أَصْلُهُ عَدَمُ الِاعْتِرَافِ بِالْإِحْسَانِ، ضِدُّ الشُّكْرَانِ. وَاسْتُعْمِلَ هُنَا فِي حِرْمَانِ الْجَزَاءِ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ بِالْخَيْرِ يَسْتَلْزِمُ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ عُرْفًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ تكفروه [آل عمرَان: 115] فَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ.
وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ مُؤَكِّدًا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ.
وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ عَنْ تَحَقُّقِهِ وَعَدَمِ إِضَاعَتِهِ لِأَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِإِيقَاعِ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْحِفْظَ عَنْ إِهْمَالِهِ وَعَنْ إِنْكَارِهِ، وَمِنْ وَسَائِلِ ذَلِكَ كِتَابَتُهُ لِيُذْكَرَ وَلَوْ طَالَتِ الْمُدَّةُ. وَهَذَا لُزُومٌ عُرْفِيٌّ.
قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلِّزَةَ:
وَهَلْ يَنْقُضُ مَا فِي الْمَهَارِقِ الْأَهْوَاءُ وَذَلِكَ مَعَ كَوْنِ الْكِتَابَةِ مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الظَّوَاهِرُ مِنَ الْكتاب وَالسّنة.
[95]
وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْمُرَادُ بِالْقَرْيَةِ أَهْلُهَا. وَهَذَا يَعُمُّ كُلَّ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْكُفْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَتِلْكَ الْقُرى أَهْلَكْناهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [الْكَهْف: 59] .
وَالْحَرَامُ: الشَّيْءُ الْمَمْنُوعُ، قَالَ عَنْتَرَةُ:
حَرُمَتْ عَلَيَّ وَلَيْتَهَا لَمْ تَحْرُمِ أَيْ: مُنِعَتْ أَيْ مَنَعَهَا أَهْلُهَا.