اللَّهِ تَعَالَى بِدُونِ وَسَاطَةِ التَّطَوُّرَاتِ الْحَيَوَانِيَّةِ لِلتَّكْوِينِ النَّسْلِيِّ.
وَجَعْلُهَا وَابْنِهَا آيَةً هُوَ مِنْ أَسْبَابِ تَشْرِيفِهِمَا وَالتَّنْوِيهِ بِهِمَا إِذْ جَعَلَهُمَا اللَّهُ وَسِيلَةً لِلْيَقِينِ بِقُدْرَتِهِ وَمُعْجِزَاتِ أَنْبِيَائِهِ كَمَا قَالَ فِي [سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ: 50] وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً. وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ حَصَلَ تَشْرِيفُ بَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ فَأَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا نَحْوَ: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [اللَّيْل:
1] ، وَالشَّمْسِ وَضُحاها وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها [الشَّمْس: 1- 2] .
وَإِفْرَادُ الْآيَةِ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِهَا الْجِنْسُ. وَحَيْثُ كَانَ الْمَذْكُورُ ذَاتَيْنِ فَأَخْبَرَ عَنْهُمَا بِأَنَّهُمَا آيَةٌ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ آيَةٌ خَاصَّةٌ. وَمِنْ لَطَائِفِ هَذَا الْإِفْرَادِ أَنَّ بَيْنَ مَرْيَمَ وَابْنِهَا حَالَةً مُشْتَرَكَةً هِيَ آيَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا آيَةٌ أُخْرَى مُسْتَقِلَّةٌ بِاخْتِلَافِ حَالِ النَّاظر المتأمل.
[92]
إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)
إِنَّ مَكْسُورَةُ الْهَمْزَةِ عِنْدَ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ، فَهِيَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ. وَاتَّفَقَتِ الْقِرَاءَاتُ الْمَشْهُورَةُ عَلَى رَفْعِ أُمَّتُكُمْ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ مَحْكِيَّةٌ بِقَوْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ. وَحَذْفُ الْقَوْلِ فِي مِثْلِهِ شَائِعٌ فِي الْقُرْآنِ.
وَالْخِطَابُ لِلْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ. وَالْوَجْهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ الْمَحْذُوفُ مَصُوغًا فِي صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مَنْصُوبًا عَلَى الْحَالِ. وَالتَّقْدِيرُ: قَائِلِينَ لَهُمْ إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ إِلَى آخِرِهِ. وَالْمَقُولُ مَحْكِيٌّ بِالْمَعْنَى، أَيْ قَائِلِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رُسُلِنَا وَأَنْبِيَائِنَا الْمَذْكُورِينَ مَا تَضَمَّنَتْهُ جُمْلَةُ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ.
فَصِيغَةُ الْجَمْعِ مُرَاد بهَا التَّوْزِيع، وَهِيَ طَرِيقَةٌ شَائِعَةٌ فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْجَمَاعَاتِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: رَكِبَ الْقَوْمُ دَوَابَّهُمْ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ جَارِيَةً عَلَى أُسْلُوبِ نَظِيرِهَا فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ. وَفِيهِ مَا يَزِيدُ هَذِهِ تَوْضِيحًا فَإِنَّهُ وَرَدَ هُنَالك ذكر عدَّة مِنَ الْأَنْبِيَاءِ تَفْصِيلًا وَإِجْمَالًا، كَمَا ذُكِرُوا فِي هَذِهِ السُّورَةِ. ثُمَّ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [الْمُؤْمِنُونَ: 51] وَأَنَّ- بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ