حَرَاشِفَ مِنَ الْحَدِيدِ، فَكَانَتْ تَثْقُلُ عَلَى الْكُمَاةِ إِذَا لَبِسُوهَا فألهم الله دَاوُود صُنْعَ دُرُوعِ الْحَلَقِ الدَّقِيقَةِ فَهِيَ أَخَفُّ مَحْمَلًا وَأَحْسَنُ وِقَايَةً.
وَفِي الْإِصْحَاحِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ سِفْرِ صَمْوِيلَ الْأَوَّلِ أَنَّ جَالُوتَ الْفِلَسْطِينِيَّ خرج لمبارزة دَاوُود لَابِسًا دِرْعًا حَرْشَفِيًّا، فَكَانَتِ الدُّرُوعُ الْحَرْشَفِيَّةُ مُسْتَعْمَلَةً فِي وَقت شباب دَاوُود فَاسْتَعْمَلَ الْعَرَبُ دُرُوعَ السَّرْدِ. وَاشْتُهِرَ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَلَقَدْ أَجَادَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ وَصْفَهَا بِقَوْلِهِ:
شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لَبُوسُهُمُ ... من نسج دَاوُود فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ
بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حَلَقٌ ... كَأَنَّهَا حَلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ (?)
وَكَانَتِ الدُّرُوعُ التُّبَّعِيَّةُ مَشْهُورَةً عِنْدَ الْعَرَبِ فَلَعَلَّ تُبَّعًا اقْتَبَسَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل بعد دَاوُود أَوْ لَعَلَّ الدُّرُوعَ التُّبَّعِيَّةَ كَانَتْ مِنْ ذَاتِ الْحَرَاشِفِ، وَقَدْ جَمَعَهَا النَّابِغَةُ بِقَوْلِهِ:
وَكُلُّ صَمُوتٍ نِثْلَةٌ تُبَّعِيَّةٌ ... وَنَسْجُ سُلَيْمٍ كُلَّ قَمْصَاءَ ذَائِلِ
أَرَادَ بِسُلَيْمٍ تَرْخِيمَ سُلَيْمَانَ، يَعْنِي سُلَيْمَان بن دَاوُود، فَنَسَبَ عَمَلَ أَبِيهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مُدَّخِرًا لَهَا.
واللبوس- بِفَتْحِ اللَّامِ- أَصْلُهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُلْبَسُ فَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِثْلَ رَسُولٍ. وَغَلَبَ إِطْلَاقُهُ عَلَى مَا يُلْبَسُ مِنْ لَامَةِ الْحَرْبِ مِنَ الْحَدِيدِ، وَهُوَ الدِّرْعُ فَلَا يُطْلَقُ عَلَى الدِّرْعِ لِبَاسٌ وَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَبُوسٌ كَمَا يُطْلَقُ لَبُوسٌ عَلَى الثِّيَابِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
اللَّبُوسُ فِي اللُّغَةِ السِّلَاحُ فَمِنْهُ الرُّمْحُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَهُوَ أَبُو كَبِيرٍ الْهُذَلِيُّ.
وَمَعِي لَبُوسٌ لِلْبَئِيسِ كَأَنَّهُ ... رَوْقٌ بِجَبْهَةِ ذِي نِعَاجٍ مُجْفِلِ (?)