الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ، وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُؤَاخِذُ أَهْلَ الْفَتْرَةِ عَلَى الْإِشْرَاكِ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا، وَأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا أَهْلَ فَتْرَةٍ قَبْلَ بَعْثَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَعْنَى لَقالُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْحِسَابِ بَعْدَ أَنْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ الْإِهْلَاكَ الْمَفْرُوضَ، لِأَنَّ الْإِهْلَاكَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَةِ.
وَ (لَوْلَا) حَرْفُ تَحْضِيضٍ، مُسْتَعْمَلٌ فِي اللَّوْمِ أَوِ الِاحْتِجَاجِ لِأَنَّهُ قَدْ فَاتَ وَقْتُ الْإِرْسَالِ، فَالتَّقْدِيرُ: هَلَّا كُنْتَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا وَانْتَصَبَ فَنَتَّبِعَ عَلَى جَوَابِ التَّحْضِيضِ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِ حُصُولِهِ فِيمَا مَضَى.
وَالذُّلُّ: الْهَوَانُ. وَالْخِزْيُ: الِافْتِضَاحُ، أَيِ الذُّلُّ بِالْعَذَابِ. وَالْخِزْيُ فِي حَشْرِهِمْ مَعَ الْجُنَاةِ كَمَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ [الشُّعَرَاء: 87] .
[135]
قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدى (135)
جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْلا يَأْتِينا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ [طه: 133] وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ.
وَالْمَعْنَى: كُلُّ فَرِيقٍ مُتَرَبِّصٌ فَأَنْتُمْ تَتَرَبَّصُونَ بِالْإِيمَانِ، أَيْ تُؤَخِّرُونَ الْإِيمَانَ إِلَى أَنْ تَأْتِيَكُمْ آيَةٌ مِنْ رَبِّي، وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ أَنْ يَأْتِيَكُمْ عَذَابُ الدُّنْيَا أَوْ عَذَابُ الْآخِرَةِ، وَتُفَرَّعُ عَلَيْهِ جُمْلَةُ فَتَرَبَّصُوا. وَمَادَّةُ الْفِعْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الدَّوَامِ بِالْقَرِينَةِ، نَحْوَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاء: 136] ، أَي فداوموا عَلَى تَرَبُّصِكُمْ.