وَذِكْرُ الرَّحْمنُ هُنَا حِكَايَةٌ لِقَوْلِهِمْ بِالْمَعْنَى، وَهُمْ لَا يذكرُونَ اسْم الرحمان وَلَا يُقِرُّونَ بِهِ، وَقَدْ أَنْكَرُوهُ كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ [الْفرْقَان: 60] ، فَهُمْ إِنَّمَا يَقُولُونَ: اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً كَمَا حُكِيَ عَنْهُمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا آيَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ [4] . فَذِكْرُ الرَّحْمنُ هُنَا وَضَعٌ لِلْمُرَادِفِ فِي مَوْضِعِ مُرَادِفِهِ، فَذِكْرُ اسْمِ الرَّحْمنُ لِقَصْدِ إِغَاظَتِهِمْ بِذِكْرِ اسْمٍ أَنْكَرُوهُ.
وَفِيهِ أَيْضًا إِيمَاءٌ إِلَى اخْتِلَالِ قَوْلِهِمْ لمنافاة وصف الرحمان اتِّخَاذَ الْوَلَدِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً.
وَالْخِطَابُ فِي لَقَدْ جِئْتُمْ لِلَّذِينِ قَالُوا اتخذ الرحمان وَلَدًا، فَهُوَ الْتِفَاتٌ لِقَصْدِ إِبْلَاغِهِمُ التَّوْبِيخَ عَلَى وَجْهٍ شَدِيدِ الصَّرَاحَةِ لَا يَلْتَبِسُ فِيهِ الْمُرَادُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ آنِفًا:
وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مَرْيَم: 71] فَلَا يَحْسُنُ تَقْدِيرُ: قُلْ لَقَدْ جِئْتُمْ.
وَجُمْلَةُ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ مَا اقْتَضَتْهُ جُمْلَةُ وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً مِنْ التَّشْنِيعِ وَالتَّفْظِيعِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِالتَّأْنِيثِ، وَذَلِكَ جَائِزٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْفِعْلُ رَافِعًا لِضَمِيرٍ مُؤَنَّثٍ مُتَّصِلٍ، وَقَرَأَ الْبَقِيَّةُ: تَكادُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ، وَهُوَ الْوَجْهُ الْآخَرُ.
وَالتَّفَطُّرُ: الِانْشِقَاقُ، وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ تَفَنَّنٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْمُتَرَادِفِ لِدَفْعِ ثِقَلِ تَكْرِيرِ اللَّفْظِ. وَالْخُرُورُ: السُّقُوطُ.
وَمن فِي قَوْلِهِ: مِنْهُ لِلتَّعْلِيلِ، وَالضَّمِير الْمَجْرُور بِمن عَائِدٌ إِلَى شَيْئاً إِدًّا، أَوْ إِلَى الْقَوْلِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ قالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً.