وَالْمَعْنَى: أَنَّ مَنْ كَانَ مُنْغَمِسًا فِي الضَّلَالَةِ اغْتَرَّ بِإِمْهَالِ اللَّهِ لَهُ فَرَكِبَهُ الْغُرُورُ كَمَا رَكِبَهُمْ إِذْ قَالُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا لَامُ الْأَمْرِ أَوِ الدُّعَاءِ، اسْتُعْمِلَتْ مَجَازًا فِي لَازِمِ مَعْنَى الْأَمْرِ، أَيِ التَّحْقِيقِ، أَيْ فسيمد لَهُ الرحمان مَدًّا، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ لَا مَحَالَةَ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ فِي إِمْهَالِ الضُّلَّالِ، إِعْذَارًا لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر: 37] ، وتنبيها لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْتَرُّوا بِإِنْعَامِ اللَّهِ عَلَى الضُّلَّالِ حَتَّى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَدْعُونَ اللَّهَ بِهِ لِعَدَمِ اكْتِرَاثِهِمْ بِطُولِ مُدَّةِ نَعَيْمِ الْكُفَّارِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ قُلْ أَنْ يَقُولَ النَّبِيءُ ذَلِكَ لِلْكُفَّارِ فَلَامُ الْأَمْرِ مُجَرَّدُ مَجَازٍ فِي التَّحْقِيقِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ أَنْ يُبَلِّغَ النَّبِيءُ ذَلِكَ عَنِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فَلَامُ الْأَمْرِ مَجَازٌ أَيْضًا وَتَجْرِيدٌ بِحَيْثُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُ نَفْسَهُ بِأَنْ يُمِدَّ لَهُمْ.
وَالْمَدُّ: حَقِيقَتُهُ إِرْخَاءُ الْحَبْلِ وَإِطَالَتُهُ، وَيُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الْإِمْهَالِ كَمَا هُنَا، وَفِي الْإِطَالَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: مَدَّ اللَّهُ فِي عُمْرِكَ.
ومَدًّا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مُؤَكِّدٌ لِعَامِلِهِ، أَيْ فَلْيُمْدِدْ لَهُ المدّ الشَّديد، فيسينتهي ذَلِكَ.
وحَتَّى لِغَايَةِ الْمَدِّ، وَهِيَ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ يمدّ لَهُ الرحمان إِنِّي أَنْ يَرَوْا مَا يُوعَدُونَ، أَيْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ عَنْ رُؤْيَةِ مَا أَوْعِدُوا مِنَ الْعَذَابِ وَلَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ طُولُ مُدَّتِهِمْ فِي النِّعْمَةِ.
فَتَكُونُ الْغَايَةُ مَضْمُونُ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى لَا لَفْظًا مُفْرَدًا. وَالتَّقْدِيرُ: يمدّ لَهُم الرحمان حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ فَيَعْلَمُوا مَنْ هُوَ أَسْعَدُ وَمَنْ هُوَ أَشْقَى.