فَصِيحُ اللِّسَانِ، فَكَانَ يَتَكَلَّمُ عَنْ مُوسَى بِمَا يُرِيدُ إِبْلَاغَهُ، وَكَانَ يَسْتَخْلِفُهُ فِي مُهِمَّاتِ الْأُمَّةِ. وَإِنَّمَا جُعِلَتْ تِلْكَ الْهِبَةُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ رَحِمَ مُوسَى إِذْ يَسَّرَ لَهُ أَخًا فَصِيحَ اللِّسَان، وأكمله بالإنباء حَتَّى يَعْلَمَ مُرَادَ مُوسَى مِمَّا يُبَلِّغُهُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَمْ يُوصَفْ هَارُونُ بِأَنَّهُ رَسُولٌ إِذْ لَمْ يُرْسِلْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُبَلِّغًا عَنْ مُوسَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ [طه: 47] فَهُوَ من التغليب.
[54، 55]
وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا (54) وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ وَكانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55)
خَصَّ إِسْمَاعِيلَ بِالذِّكْرِ هُنَا تَنْبِيهًا عَلَى جَدَارَتِهِ بِالِاسْتِقْلَالِ بِالذِّكْرِ عَقِبَ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَابْنِهِ إِسْحَاقَ، لِأَن إِسْمَاعِيل صَار جدّ أمة مُسْتَقلَّة قبل أَن يصير يَعْقُوب جدّ أمة، وَلِأَن إِسْمَاعِيلَ هُوَ الِابْنُ الْبِكْرُ لِإِبْرَاهِيمَ وَشَرِيكُهُ فِي بِنَاءِ الْكَعْبَةِ. وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ قَوْلِهِ
تَعَالَى: وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [127] .
وَخَصَّهُ بِوَصْفِ صِدْقِ الْوَعْدِ لِأَنَّهُ اشْتَهَرَ بِهِ وَتَرَكَهُ خُلُقًا فِي ذُرِّيَتِهِ.
وَأَعْظَمُ وَعْدٍ صَدَقَهُ وَعْدُهُ إِيَّاهُ إِبْرَاهِيمَ بِأَنْ يَجِدَهُ صَابِرًا عَلَىِ الذَّبْحِ فَقَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [الصافات: 102] .
وَجَعَلَهُ اللَّهُ نَبِيئًا وَرَسُولًا إِلَى قَوْمِهِ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ لَا يَعُدُّونَ أَهْلَهُ أُمَّهُ وَبَنِيهِ وَأَصْهَارَهُ مِنْ جُرْهُمَ. فَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: