وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا بَقِيَّةً لِكَلَامٍ جَرَى عَلَى لِسَانِ عِيسَى تَأْيِيدًا لِبَرَاءَةِ أُمِّهِ وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَالْمَعْنَى: تَعْمِيمُ رُبُوبِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى لِكُلِّ الْخَلْقِ.
وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَرُوَيْسٌ عَنْ يَعْقُوبَ هَمْزَةَ وَأَنَّ مَفْتُوحَةً فَخَرَّجَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ أَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ لَامِ التَّعْلِيلِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ كَلَامِ عِيسَى فَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَاعْبُدُوهُ عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ لِلِاهْتِمَامِ بِالْعِلَّةِ لِكَوْنِهَا مُقَرِّرَةً لِلْمَعْلُولِ وَمُثْبِتَةً لَهُ عَلَى أُسْلُوبِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الجنّ: 18] وَيَكُونُ قَوْلُهُ فَاعْبُدُوهُ مُتَفَرِّعًا عَلَى قَوْلِهِ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ [مَرْيَم: 30] بَعْدَ أَن أرْدف بِمَا تعلّق بِهِ مِنْ أَحْوَالِ نَفْسِهِ.
وَلَمَّا اشْتَمَلَ مَدْخُولُ لَامِ التَّعْلِيلِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ أُضْمِرَ لَهُ فِيمَا بَعْدُ. وَتَقْدِيرُ النَّظْمِ هَكَذَا: فَاعْبُدُوا اللَّهَ لِأَنَّهُ رَبِّي وَرَبُّكُمْ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ [مَرْيَم: 31] ، أَيْ وَأَوْصَانِي بِأَنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، فَيَكُونُ بِحَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ وَهُوَ مُطَّرِدٌ مَعَ (أَنَّ) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْحَقِّ مِنْ قَوْلِهِ قَوْلَ الْحَقِّ [مَرْيَم: 34] عَلَى وَجْهِ جَعْلِ قَوْلَ بِمَعْنَى قَائِلٍ، أَيْ قَائِلٌ الْحَقَّ وَقَائِلٌ إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ، فَإِنَّ هَمْزَةَ أَنْ يَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا بَعْدَ مَادَّةِ الْقَوْلِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا خُوطِبَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يَقُولَهُ كَانَ بِتَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ عَطْفًا عَلَى مَرْيَمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: