وَ (تُساقِطْ) قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ- بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ- أَصْلُهُ تَتَسَاقَطُ بِتَاءَيْنِ أُدْغِمَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ فِي السِّينِ لِيَتَأَتَّى التَّخْفِيفُ بِالْإِدْغَامِ.
وَقَرَأَهُ حَمْزَةُ- بِتَخْفِيفِ السِّينِ- عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِلتَّخْفِيفِ. ورُطَباً عَلَى هَاتِهِ الْقِرَاءَاتِ تَمْيِيزٌ لِنِسْبَةِ التَّسَاقُطِ إِلَى النَّخْلَةِ.
وَقَرَأَهُ حَفْصٌ- بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ السِّينِ- عَلَى أَنَّهُ مُضَارِعُ سَاقَطَتِ النَّخْلَةُ تَمْرَهَا، مُبَالَغَةٌ فِي أَسْقَطَتْ ورُطَباً مَفْعُولٌ بِهِ.
وَقَرَأَهُ يَعْقُوبُ بِيَاءٍ تَحْتِيَّةٍ مَفْتُوحَةٍ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ فَيَكُونُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدًا إِلَى بِجِذْعِ النَّخْلَةِ.
وَجُمْلَةُ فَكُلِي وَمَا بَعْدَهَا فَذْلَكَةٌ لِلْجُمَلِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ قَوْلِهِ قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، أَيْ فَأَنْتِ فِي بُحْبُوحَةِ عَيْشٍ.
وَقُرَّةُ الْعَيْنِ: كِنَايَةٌ عَنِ السُّرُورِ بِطَرِيقِ الْمُضَادَّةِ، لِقَوْلِهِمْ: سَخَنَتْ عَيْنُهُ إِذَا كَثُرَ بُكَاؤُهُ، فَالْكِنَايَةُ بِضِدِّ ذَلِكَ عَنِ السُّرُورِ كِنَايَةٌ بِأَرْبَعِ مَرَاتِبَ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ [الْقَصَص: 9] . وَقُرَّةُ الْعَيْنِ تَشْمَلُ هَنَاءَ الْعَيْشِ وَتَشْمَلُ الْأُنْسَ بِالطِّفْلِ الْمَوْلُودِ. وَفِي كَوْنِهِ قُرَّةَ عَيْنٍ كِنَايَةً عَنْ ضَمَانِ سَلَامَتِهِ وَنَبَاهَةِ شَأْنِهِ.
وَفَتْحُ الْقَافِ فِي وَقَرِّي عَيْناً لِأَنَّهُ مُضَارِعُ قَرِرَتْ عَيْنُهُ مِنْ بَابِ رَضِيَ، أُدْغِمَ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ عَيْنِ الْكَلِمَةِ إِلَى فَائِهَا فِي الْمُضَارِعِ لِأَنَّ الْفَاءَ سَاكِنَةٌ.
فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا. (26)
هَذَا مِنْ بَقِيَّة مَا ناداها بِهِ عِيسَى، وَهُوَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ إِلَى مَرْيَمَ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِ الطِّفْلِ، تَلْقِينًا مِنَ اللَّهِ لِمَرْيَمَ وَإِرْشَادًا لِقَطْعِ الْمُرَاجَعَة