وَقَدِ اقْتَبَسَ مَعْنَاهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ فِي قَوْلِهِ:
وَاشْتَعَلَ الْمُبْيَضُّ فِي مُسَوَّدِهِ ... مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي جَزْلِ الْغَضَا
وَلَكِنَّهُ خَلِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ مَضْرِبَ قَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ: «مَاءٌ وَلَا كَصَدَّى» .
وَالشَّيْبُ: بَيَاضُ الشَّعْرِ. وَيَعْرِضُ لِلشَّعْرِ الْبَيَاضُ بِسَبَبِ نُقْصَانِ الْمَادَّةِ الَّتِي تُعْطِي اللَّوْنَ الْأَصْلِيَّ لِلشَّعْرِ، وَنُقْصَانُهَا بِسَبَبِ كِبَرِ السِّنِّ غَالِبًا، فَلِذَلِكَ كَانَ الشَّيْبُ عَلَامَةً عَلَى الْكِبَرِ، وَقَدْ يَبْيَضُّ الشَّعْرُ مِنْ مَرَضٍ.
وَجُمْلَةُ لَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ التَّمْهِيدِيَّةِ، وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ:
بِدُعائِكَ لِلْمُصَاحَبَةِ.
وَالشَّقِيُّ: الَّذِي أَصَابَتْهُ الشِّقْوَةُ، وَهِيَ ضِدُّ السَّعَادَةِ، أَيْ هِيَ الْحِرْمَانُ مِنَ الْمَأْمُولِ وَضَلَالُ السَّعْيِ. وَأُطْلِقَ نَفْيُ الشَّقَاوَةِ وَالْمُرَادُ حُصُولِ ضِدِّهَا وَهُوَ السَّعَادَةُ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا عُرْفًا.
وَمِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ جَرَى فِي كَلَامِهِمْ مَجْرَى الْمَثَلِ فِي حُصُولِ السَّعَادَةِ مِنْ شَيْءٍ.
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي قِصَّةِ إِبْرَاهِيم: عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا [مَرْيَم: 48] أَيْ عَسَى أَنْ أَكُونَ سَعِيدًا. أَيْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ فِي شَأْنِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَمَنْ جَالَسَهُمْ «هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ»
أَيْ يَسْعَدُ مَعَهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، لَمْ نَعْرِفِ اسْمَهُ وَهُوَ إِسْلَامِيٌّ:
وَكُنْتُ جَلِيسَ قَعْقَاعِ بْنِ شَوْرٍ ... وَلَا يَشْقَى بِقَعْقَاعٍ جَلِيسُ
أَيْ يَسْعَدُ بِهِ جَلِيسُهُ.