الَّتِي فِي أَوَائِلِ السُّورِ لَا بِمُسَمَّيَاتِهَا الْمَكْتُوبَةِ أَشْكَالُهَا، وَاسْمَا هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ مَخْتُومَانِ بِهَمْزَةٍ مُخَفَّفَةٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي طَالِعِ سُورَةِ يُونُسَ وَهُوَ التَّخْفِيف بِإِزَالَة الْهمزَة لِأَجْلِ السَّكْتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّكَ إِنْ جَرَيْتَ عَلَى غَيْرِ الْمُخْتَارِ فِي مَعَانِي فَوَاتِحِ السُّوَرِ، فَأَمَّا الْأَقْوَالُ الَّتِي جَعَلَتِ الْفَوَاتِحَ كُلَّهَا مُتَّحِدَةً فِي الْمُرَادِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الَّتِي خَصَّتْ بَعْضَهَا
بِمَعَانٍ، فَقِيلَ فِي مَعْنَى كهيعص إِنَّ حُرُوفَهَا مُقْتَضَبَةٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى: الْكَافِي أَوِ الْكَرِيمِ أَوَ الْكَبِيرِ، وَالْهَاءُ مِنْ هَادِي، وَالْيَاءُ مِنْ حَكِيمٍ أَوْ رَحِيمٍ، وَالْعَيْنُ مِنَ الْعَلِيمِ أَوَ الْعَظِيمِ، وَالصَّادُ مِنَ الصَّادِقِ، وَقِيلَ مَجْمُوعُهَا اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، حَتَّى قِيلَ هُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَقِيلَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْقُرْآنِ، أَيْ بِتَسْمِيَةٍ جَدِيدَةٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدِيث يعْتَمد.
[2- 3]
ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (3)
افْتِتَاحُ كَلَامٍ، فَيَتَعَيَّنُ أَنَّ ذِكْرُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، مِثْلُهُ شَائِعُ الْحَذْفِ فِي أَمْثَالِ هَذَا مِنَ الْعَنَاوِينِ. وَالتَّقْدِيرُ: هَذَا ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ. وَهُوَ بِمَعْنَى: اذْكُرْ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ أَصْلُهُ مَفْعُولًا مُطْلَقًا نَائِبًا عَنْ عَامِلِهِ بِمَعْنَى الْأَمْرِ، أَيِ اذْكُرْ ذِكْرًا، ثُمَّ حُوِّلَ عَنِ النَّصْبِ إِلَى الرَّفْعِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الثَّبَاتِ كَمَا حُوِّلَ فِي قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي [سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: 2] . وَيُرَجِّحُهُ عَطْفُ وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ
[مَرْيَمَ: 16] وَنَظَائِرُهُ.
وَقَدْ جَاءَ نَظْمُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى طَرِيقَةٍ بَدِيعَةٍ مِنَ الْإِيجَازِ وَالْعُدُولِ عَنِ الْأُسْلُوبِ الْمُتَعَارَفِ فِي الْإِخْبَارِ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ: ذِكْرُ عَبْدِنَا