قالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً (72)
اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ وَتَعْرِيضٌ بِاللَّوْمِ عَلَى عَدَمِ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ، أَيْ أَتُقِرُّ أَنِّي قُلْتُ إِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ مَعِي صَبْرًا.
ومَعِيَ ظَرْفٌ مُتَعَلِّقٌ بِ تَسْتَطِيعَ، فَاسْتِطَاعَةُ الصَّبْرِ الْمَنْفِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَكُونُ فِي صُحْبَتِهِ لِأَنَّهُ يَرَى أُمُورًا عَجِيبَةً لَا يُدْرِكُ تَأْوِيلَهَا.
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ الْقَوْلِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ، أَيْ أَلَمْ يَقَعْ مِنِّي قَوْلٌ فِيهِ خِطَابُكَ بِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَة.
[73]
[سُورَة الْكَهْف (18) : آيَة 73]
قالَ لَا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً (73)
اعْتَذَرَ مُوسَى بِالنِّسْيَانِ وَكَانَ قَدْ نَسِيَ الْتِزَامَهُ بِمَا غَشِيَ ذِهْنَهُ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَا يُنْكِرُهُ.
وَالنَّهْيُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعَطُّفِ وَالْتِمَاسِ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ، لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَاخِذُهُ عَلَى النِّسْيَانِ مُؤَاخَذَةَ مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْمُصَاحَبَةِ لِمَا يَنْشَأُ عَنِ النِّسْيَانِ مِنْ خَطَرٍ. فَالْحَزَامَةُ الِاحْتِرَازُ مِنْ
صُحْبَةِ مَنْ يَطْرَأُ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ، وَلِذَلِكَ بُنِيَ كَلَامُ مُوسَى عَلَى طَلَبِ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ بِالنِّسْيَانِ وَلَمْ يُبْنَ عَلَى الِاعْتِذَارِ بِالنِّسْيَانِ، كَأَنَّهُ رَأَى نَفْسَهُ مَحْقُوقًا بِالْمُؤَاخَذَةِ، فَكَانَ كَلَامًا بَدِيعَ النَّسِيجِ فِي الِاعْتِذَارِ.
وَالْمُؤَاخَذَةُ: مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْأَخْذِ، وَهِيَ هُنَا لِلْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ [النَّحْل: 61] .
وَ (مَا) مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ لَا تُؤَاخِذْنِي بِنِسْيَانِي.