مُتَوَسِّطِ شَيْئَيْنِ، وَشَأْنُهُ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِلْفِعْلِ، وَلَكِنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ لِمُجَرَّدِ مَكَانٍ مُتَوَسِّطٍ إِمَّا بِالْإِضَافَةِ كَمَا هُنَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ [الْمَائِدَة: 106] ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ أَوِ اسْمِ الْفَاعِلِ إِلَى مَعْمُولِهِ أَوْ بِدُونِ إِضَافَةٍ تَوَسُّعًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ [الْأَنْعَام: 94] فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِرَفْعِ بَيْنُكُمْ.
وَالْحُوتُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ مُوسَى بِاسْتِصْحَابِهِ مَعَهُ لِيَكُونَ لَهُ عَلَامَةً عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي فِيهِ الْخَضِرُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سِيَاقِ الحَدِيث. وَالنِّسْيَان تقدم فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْ نُنْسِها فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [106] .
وَمَعْنَى نِسْيَانِهِمَا أَنَّهُمَا نَسِيَا أَنْ يُرَاقِبَا حَالَهُ أَبَاقٍ هُوَ فِي مِكْتَلِهِ حِينَئِذٍ حَتَّى إِذَا فَقَدَاهُ فِي مَقَامِهِمَا ذَلِكَ تَحَقَّقَا أَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي فقداه فِيهِ هُوَ الْموضع الْمُؤَقت لَهُمَا بِتِلْكَ الْعَلَامَةِ فَلَا يَزِيدَا تَعَبًا فِي الْمَشْيِ، فَإِسْنَادُ النِّسْيَانِ إِلَيْهِمَا حَقِيقَةٌ، لِأَنَّ يُوشَعَ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُوكَلُ بِحِفْظِ الْحُوتِ فَكَانَ عَلَيْهِ مُرَاقَبَتُهُ إِلَّا أَنَّ مُوسَى هُوَ الْقَاصِدُ لِهَذَا الْعَمَلِ فَكَانَ يَهُمُّهُ تَعَهُّدُهُ وَمُرَاقَبَتُهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْعَمَلِ أَوِ الْحَاجَةِ إِذَا وَكَلَهُ إِلَى غَيْرِهِ لَا يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ تَعَهُّدِهِ. ثُمَّ إِنَّ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- نَامَ وَبَقِيَ فَتَاهُ يَقْظَانَ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ وَجَعَلَ
لِنَفْسِهِ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ.
وَالسَّرَبُ: النَّفَقُ. وَالِاتِّخَاذُ: الْجَعْلُ. وَقَدِ انْتَصَبَ سَرَباً عَلَى الْحَالِ مِنْ سَبِيلَهُ مُرَادًا بِالْحَالِ التَّشْبِيهُ، كَقَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
إِذَا قَامَتَا تَضَوَّعَ الْمِسْكُ مِنْهُمَا ... نَسِيمَ الصِّبَا جَاءَتْ بِرِيَّا الْقَرَنْفُلِ
وَقَدْ مَرَّ تَفْسِيرُ كَيْفَ اتَّخَذَ الْبَحْرَ سَرَبًا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ.
وَحَذْفُ مَفْعُولِ جاوَزا لِلْعِلْمِ، أَيْ جَاوَزَا مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ.
وَالْغَدَاءُ: طَعَامُ النَّهَارِ مُشْتَقٌّ مِنْ كَلِمَةِ الْغُدْوَةِ لِأَنَّهُ يُؤْكَلُ فِي وَقْتِ الْغُدْوَةِ، وَضِدُّهُ الْعَشَاءُ، وَهُوَ طَعَامُ الْعَشِيِّ. وَالنَّصَبُ: التَّعَبُ.