وَفِي ذِكْرِ قِصَّةِ مُوسَى تَعْرِيضٌ بِأَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ تَهَمَّمُوا بِخَبَرِ مَلِكٍ مِنْ غَيْرِ قَوْمِهِمْ وَلَا مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ وَنَسُوا خَبَرًا من سيرة نَبِيّهم.

وَتَخَلَّلَ ذَلِكَ مُسْتَطْرَدَاتٌ مِنْ إرشاد النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم وَتَثْبِيتِهِ، وَأَنَّ الْحَقَّ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَأَنَّ أَصْحَابَهُ الْمُلَازِمِينَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ صَنَادِيدِ الْمُشْرِكِينَ، وَمِنَ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَتَمْثِيلِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَتَمْثِيلِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَانْقِضَائِهَا، وَمَا يَعْقُبُهَا مِنَ الْبَعْثِ وَالْحَشْرِ، وَالتَّذْكِيرِ بِعَوَاقِبِ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، وَمَا خُتِمَتْ بِهِ مِنْ إِبْطَالِ الشِّرْكِ وَوَعِيدِ أَهْلِهِ وَوَعْدِ الْمُؤْمِنِينَ بِضِدِّهِمْ، وَالتَّمْثِيلِ لِسَعَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى. وَخُتِمَتْ بِتَقْرِيرِ أَنَّ الْقُرْآنَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى رَسُوله صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم فَكَانَ فِي هَذَا الْخِتَامِ مُحَسِّنُ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ.

[1- 3]

[سُورَة الْكَهْف (18) : الْآيَات 1 الى 3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً (2) ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً (3)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً (1) قَيِّماً.

مَوْقِعُ الِافْتِتَاحِ بِهَذَا التَّحْمِيدِ كَمَوْقِعِ الْخُطْبَةِ يُفْتَتَحُ بِهَا الْكَلَامُ فِي الْغَرَضِ الْمُهِمِّ.

وَلَمَّا كَانَ إِنْزَالُ الْقُرْآنِ على النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم أَجْزَلَ نَعْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّهُ سَبَبُ نَجَاتِهِمْ فِي حَيَاتِهِمُ الْأَبَدِيَّةِ، وَسَبَبُ فَوْزِهِمْ فِي الْحَيَاةِ الْعَاجِلَةِ بِطِيبِ الْحَيَاةِ وَانْتِظَامِ الْأَحْوَالِ وَالسِّيَادَةِ عَلَى النَّاسِ، وَنِعْمَةٌ على النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم بِأَنْ جَعَلَهُ وَاسِطَةَ ذَلِكَ وَمُبَلِّغَهُ وَمُبَيِّنَهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ اسْتَحَقَّ اللَّهُ تَعَالَى أَكْمَلَ الْحَمْدِ إِخْبَارًا وَإِنْشَاءً. وَقَدْ تَقَدَّمَ إِفَادَةُ جُمْلَةِ الْحَمْدُ لِلَّهِ اسْتِحْقَاقَهُ أَكْمَلَ الْحَمْدِ فِي صَدْرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ.

وَهِيَ هُنَا جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ، أخبر الله نبيئه وَالْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ مُسْتَحِقَّ الْحَمْدِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا غَيْرُهُ، فَأَجْرَى عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ الْوَصْفَ بِالْمَوْصُولِ تَنْوِيهًا بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ وَلِمَا يُفِيدُهُ الْمَوْصُولُ مِنْ تَعْلِيلِ الْخَبَرِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015