وَقِيلَ قَوْلُهُ: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ [الْكَهْف: 28] الْآيَتَيْنِ نَزَلَتَا بِالْمَدِينَةِ، وَقِيلَ قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [الْكَهْف: 107] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ. وَكُلُّ ذَلِكَ ضَعِيفٌ كَمَا سَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعِهِ.
نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ وَقَبْلَ سُورَةِ الشُّورَى.
وَهِيَ الثَّامِنَةُ وَالسِتُّونَ فِي تَرْتِيبِ نُزُولِ السُّوَرِ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ مُتَفَاوِتَةٌ أَصَحُّهَا الْأَحَادِيثُ الْمُتَقَدِّمَةُ.
وَهِيَ مِنَ السُّوَرِ الَّتِي نَزَلَتْ جُمْلَةً وَاحِدَةً. رَوَى الديلمي فِي مُسْند الْفِرْدَوْسِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْكَهْفِ جُمْلَةً مَعَهَا سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ» . وَقَدْ أَغْفَلَ هَذَا صَاحِبُ «الْإِتْقَانِ» .
عدت آيُهَا فِي عَدَدِ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ مِائَةً وَخَمْسًا، وَفِي عَدَدِ قُرَّاءِ الشَّامِ مِائَةً وَسِتًّا، وَفِي عَدَدِ قُرَّاءِ الْبَصْرَةِ مِائَةً وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَفِي عَدِّ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ مِائَةً وَعَشْرًا، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي تَقْسِيمِ بَعْضِ الْآيَاتِ إِلَى آيَتَيْنِ.
وَسَبَبُ نُزُولِهَا مَا
ذَكَرَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَبَسَطَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي سِيرَتِهِ بِدُونِ سَنَدٍ، وَأَسْنَدَهُ الطَّبَرِيُّ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَهَمَّهُمْ أَمر النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم وَازْدِيَادُ الْمُسْلِمِينَ مَعَهُ وَكَثُرَ تَسَاؤُلُ الْوَافِدِينَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ عَنْ أَمْرِ دَعْوَتِهِ، بَعَثُوا النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ، وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ (يَثْرِبَ) يَسْأَلُونَهُمْ رَأْيَهُمْ فِي دَعْوَتِهِ، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَجِدَ لَهُمُ الْأَحْبَارُ مَا لَمْ يَهْتَدُوا إِلَيْهِ مِمَّا يُوَجِّهُونَ بِهِ تَكْذِيبَهُمْ إِيَّاهُ، قَالُوا: فَإِنَّ الْيَهُودَ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِ الْأَنْبِيَاءِ (أَيْ صِفَاتِهِمْ وَعَلَامَاتِهِمْ) عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا، فَقَدِمَ النَّضْرُ وَعُقْبَةُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَوَصَفَا لِلْيَهُودِ دَعْوَة النبيء صلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسلّم