لَكِنَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ نَفَتْ مَشِيئَةَ الذَّهَابِ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فَهُوَ بَاقٍ غَيْرُ مَذْهُوبٍ بِهِ.
وَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى بَقَاءِ الْقُرْآنِ وَحِفْظِهِ، قَالَ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الْحجر: 9] .
وَمَوْقِعُ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً مَوْقِعُ التَّعْلِيلِ لِلِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ، أَيْ لَكِنَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ مَنَعَتْ تَعَلُّقَ الْمَشِيئَةِ بِإِذْهَابِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، لِأَنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا فَلَا يَحْرِمُكَ فَضْلَ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَيْكَ. وَزِيَادَةُ فِعْلِ (كَانَ) لِتَوْكِيدِ الْجُمْلَةِ زِيَادَةٌ عَلَى تَوْكِيدِهَا بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي مَعْنَى التَّعْلِيل والتفريع.
[88]
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (88)
اسْتِئْنَافٌ لِلزِّيَادَةِ فِي الِامْتِنَانِ. وَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً [الْإِسْرَاء: 87] . وَافْتِتَاحُهُ بِ (قُلْ) لِلِاهْتِمَامِ بِهِ. وَهَذَا تنويه بشرف الْقُرْآنَ فَكَانَ هَذَا التَّنْوِيهُ امْتِنَانًا عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَهُمُ الَّذِينَ كَانَ لَهُمْ شِفَاءً وَرَحْمَةً، وَتَحَدِّيًا بِالْعَجْزِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ لِلَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا خَسَارًا.
وَاللَّامُ مُوَطِّئَةٌ لِلْقَسَمِ.
وَجُمْلَةُ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ جَوَابُ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ.
وَجَرَّدَ الْجَوَابَ مِنَ اللَّامِ الْغَالِبِ اقْتِرَانُهَا بِجَوَابِ الْقَسَمِ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ لَامَيْنِ: لَامِ الْقَسَمِ، وَلَامِ النَّافِيَةِ.