[44]
تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (44)
جُمْلَةُ يُسَبِّحُ لَهُ إِلَخْ. حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي سُبْحانَهُ أَيْ نُسَبِّحُهُ فِي حَالِ أَنَّهُ يُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ إِلَخْ، أَيْ يُسَبِّحُ لَهُ الْعَوَالِمُ وَمَا فِيهَا وَتَنْزِيهُهُ عَنِ النَّقَائِصِ.
وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لَهُ لَامُ تَعْدِيَةِ يُسَبِّحُ الْمُضَمَّنِ مَعْنَى يَشْهَدُ بِتَنْزِيهِهِ، أَوْ هِيَ اللَّامُ الْمُسَمَّاةُ لَامَ التَّبْيِينِ كَالَّتِي فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشَّرْح: 1] وَفِي قَوْلِهِمْ: حَمِدْتُ اللَّهَ لَكَ.
وَلَمَّا أُسْنِدَ التَّسْبِيحُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا تَنْطِقُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى التَّنْزِيهِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَلكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ حَيْثُ أَعْرَضُوا عَنِ النَّظَرِ فِيهَا فَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى مَا يَحِفُّ بِهَا مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ كُلِّ مَا نَسَبُوهُ مِنَ الْأَحْوَالِ الْمُنَافِيَةِ لِلْإِلَهِيَّةِ.
وَالْخِطَابُ فِي لَا تَفْقَهُونَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُشْرِكِينَ جَرْيًا عَلَى أُسْلُوبِ الْخِطَابِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيماً [الْإِسْرَاء: 40] وَقَوْلِهِ: لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا تَقولُونَ [الْإِسْرَاء: 42] لِأَنَّ الَّذِينَ لَمْ يَفْقَهُوا دَلَالَةَ الْمَوْجُودَاتِ عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى هُمُ الَّذِينَ لَمْ يُثْبِتُوا لَهُ التَّنْزِيهَ عَنِ النَّقَائِصِ الَّتِي شَهِدَتِ الْمَوْجُودَاتُ- حَيْثُمَا تَوَجَّهَ إِلَيْهَا النَّظَرُ- بِتَنْزِيهِهِ عَنْهَا فَلَمْ يُحْرَمْ مِنَ الِاهْتِدَاءِ إِلَى شَهَادَتِهَا إِلَّا الَّذِينَ لَمْ يُقْلِعُوا عَنِ اعْتِقَادِ أَضْدَادِهَا. فَأَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَدِ اهْتَدَوْا إِلَى ذَلِكَ التَّسْبِيحِ بِمَا أَرْشَدَهُمْ إِلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ النَّظَرِ فِي الْمَوْجُودَاتِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَقَادِيرُ الِاهْتِدَاءِ عَلَى تَفَاوُتِ الْقَرَائِحِ وَالْفُهُومِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِجَمِيعِ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ انْتِفَاءِ تَمَامِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ التَّسْبِيحِ.