فَالزِّنَى مِئِنَّةٌ لِإِضَاعَةِ الْأَنْسَابِ وَمَظِنَّةٌ لِلتَّقَاتُلِ وَالتَّهَارُجِ فَكَانَ جَدِيرًا بِتَغْلِيظِ التَّحْرِيمِ قَصْدًا وَتَوَسُّلًا. وَمَنْ تَأَمَّلَ وَنَظَرَ جَزَمَ بِمَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الزِّنَى مِنَ الْمَفَاسِدِ وَلَوْ كَانَ الْمُتَأَمِّلُ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُبْحُهُ ثَابِتٌ لِذَاتِهِ، وَلَكِنَّ الْعُقَلَاءَ مُتَفَاوِتُونَ فِي إِدْرَاكِهِ وَفِي مِقْدَارِ إِدْرَاكِهِ، فَلَمَّا أَيْقَظَهُمُ التَّحْرِيمُ لَمْ يَبْقَ لِلنَّاسِ عُذْرٌ. وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ السُّورَةِ وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ الزَّعْمِ. وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى إِبْطَالِ ذَلِكَ فِي أول السُّورَة.

[33]

[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 33]

وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً (33)

مَعْلُومَةٌ حَالَةُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ التَّسَرُّعِ إِلَى قَتْلِ النُّفُوسِ فَكَانَ حِفْظُ النُّفُوسِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ لِلشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ. وَلِذَلِكَ كَانَ النَّهْيُ عَنْ قَتْلِ النَّفْسِ مِنْ أَهَمِّ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْصَى بِهَا الْإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ الْجَامِعَةِ. وَهَذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ التَّاسِعَةُ.

وَالنَّفْسُ هُنَا الذَّاتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ [النِّسَاء: 29] وَقَوْلِهِ: أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [الْمَائِدَة: 32] وَقَوْلِهِ: وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لُقْمَان: 34] . وَتُطْلَقُ النَّفْسُ عَلَى الرُّوحِ الْإِنْسَانِيِّ وَهِيَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ.

وَالْقَتْلُ: الْإِمَاتَةُ بِفِعْلِ فَاعِلٍ، أَيْ إِزَالَةُ الْحَيَاةِ عَنِ الذَّاتِ.

وَقَوْلُهُ: حَرَّمَ اللَّهُ حُذِفَ الْعَائِدُ مِنَ الصِّلَةِ إِلَى الْمَوْصُولِ لِأَنَّهُ ضَمِيرٌ مَنْصُوبٌ بِفِعْلِ الصِّلَةِ وَحَذْفُهُ كَثِيرٌ. وَالتَّقْدِيرُ: حَرَّمَهَا اللَّهُ. وَعَلَّقَ التَّحْرِيمَ بِعَيْنِ النَّفْسِ، وَالْمَقْصُودُ تَحْرِيمُ قَتْلِهَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015