غَرِيزِيٌّ ضَعِيفٌ وَبَعْضُهُ عَقْلِيٌّ قَوِيٌّ حَتَّى أَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ الْإِحْسَاسِ لَيُسَاوِي بِمَجْمُوعِهِ أَثَرَ عَاطِفَةِ الْأُمِّ الْغَرِيزِيَّةِ أَوْ يَفُوقُهَا فِي حَالَةِ كِبَرِ الِابْنِ. ثُمَّ وَزَّعَ الْإِسْلَامُ مَا دَعَا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ بَقِيَّةِ مَرَاتِبِ الْقَرَابَةِ عَلَى حَسَبِ الدُّنُوِّ فِي الْقُرْبِ النِّسْبِيِّ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَقَدْ عَزَّزَ اللَّهُ قَابِلِيَّةَ الِانْسِيَاقِ إِلَى تِلْكَ الشِّرْعَةِ فِي النُّفُوسِ.

جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الرَّحِمَ أَخَذَتْ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ وَقَالَتْ:

هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ. فَقَالَ اللَّهُ: أَمَّا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ» .

وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّحِمَ مِنِ اسْمِهِ الرَّحِيمِ»

. وَفِي هَذَا التَّكْوِينِ لِأَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ صَلَاحٌ عَظِيمٌ لِلْأُمَّةِ تَظْهَرُ آثَارُهُ فِي مُوَاسَاةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَفِي اتِّحَادِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، قَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا [الحجرات: 13] .

وَزَادَهُ الْإِسْلَامُ تَوْثِيقًا بِمَا فِي تَضَاعِيفِ الشَّرِيعَةِ مِنْ تَأْكِيدِ شَدِّ أَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ أَكْثَرَ مِمَّا حَاوَلَهُ كُلُّ دِينٍ سَلَفَ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِ «مَقَاصِدِ الشَّرِيعَة الإسلامية» .

[25]

[سُورَة الْإِسْرَاء (17) : آيَة 25]

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً (25)

تَذْيِيلٌ لِآيَةِ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ بِالْوَالِدَيْنِ وَمَا فَصَلَ بِهِ، وَمَا يَقْتَضِيهِ الْأَمْرُ مِنَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمَأْمُورِينَ بِهَذَا الْأَمْرِ قَبْلَ وُرُودِهِ بَيْنَ مُوَافِقٍ لِمُقْتَضَاهُ وَمُفْرِطٍ فِيهِ، وَمِنَ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ بَعْدَ وُرُودِهِ مِنْ مُحَافِظٍ عَلَى الِامْتِثَالِ، وَمُقَصِّرٍ عَنْ قَصْدٍ أَوْ عَنْ بَادِرَةِ غَفْلَةٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015