وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ أَفَادَ الْحَصْرَ، أَيْ لَهُ لَا لِغَيْرِهِ. وَلَامُ الْمِلْكِ أَفَادَتِ الْحَصْرَ، فَيَكُونُ التَّقْدِيمُ مُفِيدًا تَأْكِيدَ الْحَصْرِ أَوْ هُوَ لِلِاهْتِمَامِ.
وأَمْرُ السَّاعَةِ: شَأْنُهَا الْعَظِيمُ. فَالْأَمْرُ: الشَّأْنُ الْمُهِمُّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: أَتى أَمْرُ اللَّهِ [سُورَة النَّحْل: 1] ، وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلَّا أَمْرٌ» ، أَيْ شَأْنٌ وَخَطْبٌ.
والسَّاعَةِ: عِلْمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى وَقت فنَاء هَذَا الْعَالَمِ، وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ غَيْبِ الْأَرْضِ.
وَلَمْحُ الْبَصَرِ: تَوَجُّهُهُ إِلَى الْمَرْئِيِّ لِأَنَّ اللَّمْحَ هُوَ النَّظَرُ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ كَوْنُهُ مَقْدُورًا بِدُونِ كُلْفَةٍ، لِأَنَّ لَمْحَ الْبَصَرِ هُوَ أَمْكَنُ وَأَسْرَعُ حَرَكَاتِ الْجَوَارِحِ فَهُوَ أَيْسَرُ وَأَسْرَعُ مِنْ نَقْلِ الْأَرْجُلِ فِي الْمَشْيِ وَمِنَ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ.
وَهَذَا التَّشْبِيهُ أَفْصَحُ مِنَ الَّذِي فِي قَوْلِ زُهَيْرٍ:
فَهُنَّ وَوَادِيِ الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ وَوَجْهُ الشَّبَهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَحَقُّقُ الْوُقُوعِ بِدُونِ مَشَقَّةٍ وَلَا إِنْظَارٍ عِنْدَ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وُقُوعه، وَبِذَلِكَ يَكُونُ الْكَلَامُ إِثْبَاتًا لِإِمْكَانِ الْوُقُوعِ وَتَحْذِيرًا مِنَ الِاغْتِرَارِ بِتَأْخِيرِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الشَّبَهِ السُّرْعَةَ، أَيْ سُرْعَةُ الْحُصُولِ عِنْدَ إِرَادَةِ الله، أَي ذَلِك يَحْصُلُ فَجْأَةً بِدُونِ أَمَارَاتٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً [سُورَة الْأَعْرَاف: 187] .
وَالْمَقْصُودُ: إِنْذَارُهُمْ وَتَحْذِيرُهُمْ مِنْ أَنْ تَبْغَتَهُمُ السَّاعَةُ لِيُقْلِعُوا عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ وَقْتِ الْإِنْذَارِ. وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنْ يَكُونَ الْبَصَرُ تَشْبِيهًا فِي سُرْعَةِ الْحُصُولِ إِذِ احْتِمَالٌ مُعَطَّلٌ لِأَنَّ الْوَاقِعَ حَارِسٌ مِنْهُ.
وأَوْ فِي أَوْ هُوَ أَقْرَبُ لِلْإِضْرَابِ الِانْتِقَالِيِّ، إِضْرَابًا عَنِ التَّشْبِيهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ أَقْوَى فِي وَجْهِ الشَّبَهِ مِنَ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَالْمُتَكَلِّمُ يُخَيِّلُ لِلسَّامِعِ أَنَّهُ يُرِيدُ تَقْرِيبَ الْمَعْنَى إِلَيْهِ بِطَرِيقِ التَّشْبِيهِ، ثُمَّ يُعْرِضُ عَنِ التَّشْبِيهِ