وَقَدْ عُدِّيَ فِعْلُ يَجْحَدُونَ بِالْبَاءِ لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى يَكْفُرُونَ، وَتَكُونُ الْبَاءُ لِتَوْكِيدِ تَعَلُّقِ الْفِعْلِ بِالْمَفْعُولِ مثل وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ [سُورَة الْمَائِدَة: 6] . وَتَقْدِيمُ «بِنِعْمَةِ اللَّهِ» عَلَى مُتَعَلِّقِهِ وَهُوَ يَجْحَدُونَ لِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.

[72]

[سُورَة النَّحْل (16) : آيَة 72]

وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72)

عَطْفٌ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ بِبَدِيعِ الصُّنْعِ فِي خَلْقِ النَّسْلِ إِذْ جُعِلَ مُقَارَنًا لِلتَّأَنُّسِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، إِذْ جَعَلَ النَّسْلَ مِنْهُمَا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُفَارِقًا لِأَحَدِ الْأَبَوَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا.

وَجَعَلَ النَّسْلَ مَعْرُوفًا مُتَّصِلًا بِأُصُولِهِ بِمَا أُلْهِمَهُ الْإِنْسَانُ مِنْ دَاعِيَةِ حِفْظِ النَّسَبِ، فَهِيَ مِنَ الْآيَاتِ عَلَى انْفِرَادِهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الرُّومِ [21] : وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. فَجَعَلَهَا آيَةً تَنْطَوِي عَلَى آيَاتٍ، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الصُّنْعُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْله تَعَالَى: وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ.

وَالْقَوْلُ فِي جُمْلَةِ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ كَالْقَوْلِ فِي نَظِيرَتَيْهَا الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ.

وَاللَّامُ فِي جَعَلَ لَكُمْ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ جَعَلَ إِلَى ثَانٍ.

وَمَعْنَى مِنْ أَنْفُسِكُمْ مِنْ نَوْعِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ [سُورَة النُّور: 21] أَيْ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ بِالْبُيُوتِ، وَقَوْلِهِ: رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ [سُورَة آل عمرَان: 164] وَقَوْلِهِ: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ [سُورَة الْبَقَرَة: 85] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015