وَ (مَا) مَوْصُولَةٌ، ماصدقها الْعَذَابُ الْمُتَوَعَّدُونَ بِهِ. وَالْبَاءُ فِي بِهِ لِلسَّبَبِيَّةِ. وَهُوَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ صِفَةٌ لِمَفْعُولٍ مُطْلَقٍ. وَالتَّقْدِيرُ: الَّذِي يَسْتَهْزِئُونَ اسْتِهْزَاءً بِسَبَبِهِ، أَيْ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ وُقُوعَهُ. وَهَذَا اسْتِعْمَالٌ فِي مِثْلِهِ. وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ، مِنْ ذَلِكَ مَا فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ، وَلَيْسَتِ الْبَاءُ لتعدية فعل يَسْتَهْزِؤُنَ وَقُدِّمَ الْمَجْرُورُ عَلَى عَامِلِ مَوْصُوفِهِ لِلرِّعَايَةِ على الفاصلة.
[35]
وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (35)
عَطْفُ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ لِحِكَايَةِ حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ شُبُهَاتِهِمْ وَمُكَابَرَتِهِمْ وَبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ تَكْذِيبِهِمْ.
وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَاوِلُونَ إِفْحَامَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ، وَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى آلِهَتِهِمْ، وَإِنَّهُ لَا يَرْضَى بِأَنْ يُعْبَدَ مَا سِوَاهُ، وَإِنَّهُ يَنْهَاهُمْ عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَنَحْوِهِمَا، فَحَسِبُوا أَنَّهُمْ خَصَمُوا النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاجُّوهُ فَقَالُوا لَهُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا نَعْبُدَ أَصْنَامًا لَمَا أَقْدَرَنَا عَلَى عِبَادَتِهَا، وَلَوْ شَاءَ أَنْ لَا نُحَرِّمَ مَا حَرَّمْنَا مِنْ نَحْوِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ لَمَا أَقَرَّنَا عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ قَصْدُ إِفْحَامٍ وَتَكْذِيبٍ.
وَهَذَا رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِتَنْظِيرِ أَعْمَالِهِمْ بِأَعْمَالِ الْأُمَمِ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ فَلَوْ كَانَ اللَّهُ يَرْضَى بِمَا عَمِلُوهُ لَمَا عَاقَبَهُمْ بِالِاسْتِئْصَالِ، فَكَانَتْ عَاقِبَتُهُمْ نُزُولُ الْعَذَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، ثُمَّ بِقَطْعِ الْمُحَاجَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، أَيْ وَلَيْسَ مِنْ شَأْنِ الرُّسُلِ- عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- الْمُنَاظَرَةُ مَعَ الْأُمَّةِ.