هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (33) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ مَا عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ مَا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (34)
اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنْ جُمْلَةِ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [سُورَة الرَّعْد: 42] لِأَنَّهَا تُثِيرُ سُؤَالَ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ إِبَّانِ حُلُولِ الْعَذَابِ عَلَى هَؤُلَاءِ كَمَا حَلَّ بِالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَقِيلَ: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا أَحَدَ أَمْرَيْنِ هُمَا مَجِيءُ الْمَلَائِكَةِ لَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ فَيَحِقُّ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدُ الْمُتَقَدِّمُ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ. وَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِئْصَالُ الْمُعَرَّضُ بِالتَّهْدِيدِ فِي قَوْلِهِ: فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [سُورَة النَّحْل: 26] .
وَالِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيٌّ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، وَلِذَلِكَ جَاءَ بعده الِاسْتِثْنَاء.
ونْظُرُونَ
هُنَا بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ وَهُوَ النِّظَرَةُ. وَالْكَلَامُ مُوَجَّهٌ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْكِيرًا بِتَحْقِيقِ الْوَعِيدِ وَعَدَمِ اسْتِبْطَائِهِ وَتَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ بِالتَّحْذِيرِ مِنَ اغْتِرَارِهِمْ بِتَأَخُّرِ الْوَعِيدِ وَحَثًّا لَهُمْ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِيمَانِ.
وَإِسْنَادُ الِانْتِظَارِ الْمَذْكُور إِلَيْهِم جَار عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ بِتَنْزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ يَنْتَظِرُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ، لِأَنَّ حَالَهُمْ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنِ الْوَعِيدِ وَعَدَمِ التَّفَكُّرِ فِي دَلَائِلِ صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ ظُهُورِ تِلْكَ الدَّلَائِلِ وَإِفَادَتِهَا التَّحَقُّقَ كَحَالِ مَنْ أَيْقَنَ حُلُولَ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِهِ فَهُوَ يَتَرَقَّبُ أَحَدَهُمَا، كَمَا تَقُولُ لِمَنْ لَا يَأْخُذُ حَذَرَهُ مِنَ الْعَدُوِّ: مَا تَتَرَقَّبُ إِلَّا أَنْ تَقَعَ أَسِيرًا. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ [سُورَة يُونُس: 102] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ [سُورَة الْقَصَص: 19] . وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ تَأْكِيدِ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ وَمَا هُوَ بِذَلِكَ.