وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ حُكْمٍ تَعَبُّدِيٍّ فِي التَّفْرِقَةِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الْمَصِيرُ إِلَيْهِ فِي الِاجْتِهَادِ إِلَّا بِنَصٍّ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ «مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ» .
عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يُحَرَّمَ صِنْفٌ إِنْسِيٌّ لِنَوْعٍ مِنَ الْحَيَوَانِ دُونَ وَحْشِيِّهِ.
وَأَمَّا الْبِغَالُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْرِيمِهَا. فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِحُرْمَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ فَلِأَنَّ الْبِغَالَ صِنْفٌ مركّب من نوين مُحَرَّمَيْنِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ أَكْلُهُ حَرَامًا. وَمَنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ فَلِتَغْلِيبِ تَحْرِيمِ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ الْمُرَكَّبِ مِنْهُمَا وَهُوَ الْحَمِيرُ عَلَى تَحْلِيلِ النَّوْعِ الْآخَرِ وَهُوَ الْخَيْلُ. وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ رَآهَا حَلَالًا.
وَالْخَيْلُ: اسْمُ جَمْعٍ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [14] .
والْبِغالَ: جَمْعُ بَغْلٍ. وَهُوَ اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ نَوْعِ أُمِّهِ مِنَ الْخَيْلِ وَأَبُوهُ مِنَ الْحَمِيرِ. وَهُوَ مِنَ الْأَنْوَاعِ النَّادِرَةِ وَالْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ نَوْعَيْنِ. وَعَكْسُهُ الْبِرْذَوْنُ، وَمِنْ خَصَائِصِ الْبِغَالِ عُقْمُ أُنْثَاهَا بِحَيْثُ لَا تَلِدُ.
والْحَمِيرَ: جَمْعُ تَكْسِيرِ حِمَارٍ وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَحْمِرَةٍ وَعَلَى حُمُرٍ. وَهُوَ غَالِبٌ لِلذَّكَرِ مِنَ النَّوْعِ، وَأَمَّا الْأُنْثَى فَأَتَانٌ. وَقَدْ رُوعِيَ فِي الْجَمْعِ التَّغْلِيبُ.
وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ.
اعْتِرَاضٌ فِي آخِرِ الْكَلَامِ أَوْ فِي وَسَطِهِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
ويَخْلُقُ مُضَارِعٌ مُرَادٌ بِهِ زَمَنُ الْحَالِ لَا الِاسْتِقْبَالِ، أَيْ هُوَ الْآنَ يَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَيُّهَا النَّاسُ مِمَّا هُوَ مَخْلُوقٌ لِنَفْعِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ بِهِ، فَكَمَا خَلَقَ لَهُمُ الْأَنْعَامَ وَالْكُرَاعَ خَلَقَ لَهُمْ وَيَخْلُقُ لَهُمْ خَلَائِقَ أُخْرَى لَا يَعْلَمُونَهَا