وَجُمْلَةُ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ وَالْأَنْعامَ خَلَقَها، أَيْ خَلَقَهَا لِهَذِهِ الْمَنَافِع لِأَنَّهُ رؤوف رَحِيم بكم.
[8]
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (8)
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً.
وَالْخَيْلَ مَعْطُوفٌ عَلَى وَالْأَنْعامَ خَلَقَها [سُورَة النَّحْل: 5] . فَالتَّقْدِيرُ: وَخَلَقَ الْخَيْلَ.
وَالْقَوْلُ فِي مَنَاطِ الِاسْتِدْلَالِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الِامْتِنَانِ وَالْعِبْرَةُ فِي كُلٍّ كَالْقَوْلِ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ الْآيَةَ.
وَالْفِعْلُ الْمَحْذُوفُ يَتَعَلَّقُ بِهِ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً، أَيْ خَلَقَهَا اللَّهُ لِتَكُونَ مَرَاكِبَ لِلْبَشَرِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِي وُجُودِهَا فَائِدَةٌ لِعُمْرَانِ الْعَالَمِ.
وَعَطْفُ وَزِينَةً بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى شِبْهِ الْجُمْلَةِ فِي لِتَرْكَبُوها، فَجُنِّبَ قَرْنُهُ بِلَامِ التَّعْلِيلِ مِنْ أَجْلِ تَوَفُّرِ شَرْطِ انْتِصَابِهِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِأَجْلِهِ، لِأَنَّ فَاعِلَهُ وَفَاعِلَ عَامِلِهِ وَاحِدٌ، فَإِنَّ عَامِلَهُ فِعْلُ خَلَقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ فَذَلِكَ كُلُّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِفِعْلِ خَلَقَها.
وَلَا مِرْيَةَ فِي أَنَّ فَاعِلَ جَعَلَهَا زِينَةً هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّهَا فِي ذَاتِهَا زِينَةً، أَيْ خَلَقَهَا تُزَيِّنُ الْأَرْضَ، أَوْ زَيَّنَ بِهَا الْأَرْضَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ [سُورَة الْملك: 5] .
وَهَذَا النَّصْبُ أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ لَامِ التَّعْلِيلِ.
وَهَذَا وَاقِعٌ مَوْقِعَ الِامْتِنَانِ فَكَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى مَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُخَاطَبُونَ الْأَوَّلُونَ فِي عَادَتِهِمْ.
وَقَدِ اقْتَصَرَ عَلَى مِنَّةِ الرُّكُوبِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالزِّينَةِ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَمْلَ عَلَيْهَا كَمَا قَالَ فِي شَأْنِ الْأَنْعَامِ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ [سُورَة النَّحْل: 7] ، لِأَنَّهُمْ لَمْ تَكُنْ مِنْ