وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِأَمْرِ اللَّهِ إِبْهَامٌ يُفِيدُ تَهْوِيلَهُ وَعَظَمَتَهُ لِإِضَافَتِهِ لِمَنْ لَا يَعْظُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُ تَارَاتٍ بِوَعْدِ اللَّهِ وَمَرَّاتٍ بِأَجَلِ اللَّهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَالْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ ابْتِدَاءً لِأَنَّ اسْتِعْجَالَ الْعَذَابِ مِنْ خِصَالِهِمْ، قَالَ تَعَالَى:
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ [سُورَة الْحَج: 47] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَامِلًا لِلْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ عَذَابَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ الْكَافِرُونَ يَسْتَعْجِلُونَ بِهِ تَهَكُّمًا لِظَنِّهِمْ أَنَّهُ غَيْرُ آتٍ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ يُضْمِرُونَ فِي نُفُوسِهِمِ اسْتِبْطَاءَهُ وَيُحِبُّونَ تَعْجِيلَهُ لِلْكَافِرِينَ.
فَجُمْلَةُ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ تَفْرِيعٌ عَلَى أَتى أَمْرُ اللَّهِ وَهِيَ مِنَ الْمَقْصُودِ بِالْإِنْذَارِ.
وَالِاسْتِعْجَالُ: طَلَبُ تَعْجِيلِ حُصُولِ شَيْءٍ، فَمَفْعُولُهُ هُوَ الَّذِي يَقَعُ التَّعْجِيلُ بِهِ.
وَيَتَعَدَّى الْفِعْلُ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ وَاحِدٍ بِالْبَاءِ فَقَالُوا: اسْتَعْجِلْ بِكَذَا. وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [57] قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ.
فَضَمِيرُ تَسْتَعْجِلُوهُ إِمَّا عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيْ فَلَا تَسْتَعْجِلُوا اللَّهَ. وَحُذِفَ الْمُتَعَلِّقُ بِ تَسْتَعْجِلُوهُ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: أَتى أَمْرُ اللَّهِ عَلَيْهِ. وَالتَّقْدِيرُ فَلَا تَسْتَعْجِلُوا اللَّهَ بِأَمْرِهِ، عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ [سُورَة الْأَنْبِيَاء: 37] .
وَقِيلَ الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى أَمْرُ اللَّهِ، وَعَلَيْهِ تَكُونُ تَعْدِيَةُ فِعْلِ الِاسْتِعْجَالِ إِلَيْهِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ.
وَالْمُرَادُ مِنَ النَّهْيِ هُنَا دَقِيقٌ لَمْ يَذْكُرُوهُ فِي مَوَارِدِ صِيَغِ النَّهْيِ. وَيَجْدُرُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا تَرِدُ صِيغَةُ الْأَمْرِ لِلتَّسْوِيَةِ، أَيْ لَا جَدْوَى فِي اسْتِعْجَالِهِ لِأَنَّهُ لَا يُعَجَّلُ قَبْلَ وَقْتِهِ الْمُؤَجَّلِ لَهُ.