وَابْتِدَاءُ الْكَلَامِ بِفِعْلِ الْإِنْبَاءِ لِتَشْوِيقِ السَّامِعِينَ إِلَى مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ [سُورَة البروج: 17] وَنَحْوِهِ. وَالْمَقْصُودُ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى الْآتِي: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ [سُورَة الْحجر: 51] . وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْأَمْرَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ بِمَغْفِرَةِ اللَّهِ وَعَذَابِهِ ابْتِدَاءً بِالْمَوْعِظَةِ الْأَصْلِيَّةِ قَبْلَ الْمَوْعِظَةِ بِجُزْئِيَّاتِ حَوَادِثِ الِانْتِقَامِ مِنَ الْمُعَانِدِينَ وَإِنْجَاءِ مَنْ بَيْنَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ دَائِرٌ بَيْنَ أَثَرِ الْغُفْرَانِ وَبَيْنَ أَثَرِ الْعَذَابِ.
وَقُدِّمَتِ الْمَغْفِرَةُ عَلَى الْعَذَابِ لِسَبْقِ رَحْمَتِهِ غَضَبَهُ.
وَضَمِيرُ أَنَا وَضَمِيرُ هُوَ ضَمِيرَا فَصْلٍ يُفِيدَانِ تَأْكِيدَ الْخَبَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى: نبىء عِبَادِي إِلَى الرَّحِيمُ من المحسّنات البديعية مُحَسِّنَ الِاتِّزَانِ إِذَا سَكَنَتْ يَاءُ أَنِّي عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ بِتَسْكِينِهَا، فَإِنَّ الْآيَةَ تَأْتِي مُتَّزِنَةً عَلَى مِيزَانِ بَحْرِ الْمُجْتَثِّ الَّذِي لَحِقَهُ الْخَبْنُ فِي عَرُوضِهِ وَضُرُبِهِ فَهُوَ مُتَفْعِلُنْ فعلاتن مرَّتَيْنِ.
[51- 56]
وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقانِطِينَ (55)
قالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ (56)
هَذَا الْعَطْفُ مَعَ اتِّحَادِ الْفِعْلِ الْمَعْطُوفِ بِالْفِعْلِ الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي الصِّيغَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِنْبَاءُ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ الْقِصَّةِ أَنَّهَا مِنْ مَظَاهِرِ رَحْمَتِهِ تَعَالَى وَعَذَابِهِ.