وَالْحَمَأُ: الطِّينُ إِذَا اسْوَدَّ وَكُرِهَتْ رَائِحَتُهُ. وَقَوْلُهُ: مِنْ حَمَإٍ صِفَةٌ لِ صَلْصالٍ ومَسْنُونٍ صِفَةٌ لِ حَمَإٍ أَوْ ل صَلْصالٍ. وَإِذا كَانَ الصَّلْصَالُ مِنَ الْحَمَأِ فَصِفَةُ أَحَدِهِمَا صِفَةٌ لِلْآخَرِ.
وَالْمَسْنُونُ: الَّذِي طَالَتْ مُدَّةُ مُكْثِهِ، وَهُوَ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ فِعْلِ سَنَّهُ إِذَا تَرَكَهُ مُدَّةً طَوِيلَةً تُشْبِهُ السَّنَةَ. وَأَحْسَبُ أَنَّ فِعْلَ (سَنَّ) بِمَعْنَى تَرَكَ شَيْئًا مُدَّةً طَوِيلَةً غَيْرُ مَسْمُوعٍ.
وَلَعَلَّ (تَسَنَّهْ) بِمَعْنَى تَغَيَّرَ مِنْ طُولِ الْمُدَّةِ أَصْلُهُ مُطَاوِعُ سَنَهٍ ثُمَّ تُنُوسِيَ مِنْهُ مَعْنَى الْمُطَاوَعَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى لَمْ يَتَسَنَّهْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [259] .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ التَّنْبِيهُ عَلَى عَجِيبِ صُنْعِ الله تَعَالَى إِذْ أَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ الْمَهِينَةِ نَوْعًا هُوَ سَيِّدُ أَنْوَاعِ عَالَمِ الْمَادَّةِ ذَاتِ الْحَيَاةِ.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَاهِيَّةَ الْحَيَاةِ تَتَقَوَّمُ مِنَ التُّرَابِيَّةِ وَالرُّطُوبَةِ وَالتَّعَفُّنِ، وَهُوَ يُعْطِي حَرَارَةً ضَعِيفَةً. وَلِذَلِكَ تَنْشَأُ فِي الْأَجْرَامِ الْمُتَعَفِّنَةِ حَيَوَانَاتٌ مِثْلَ الدُّودِ، وَلِذَلِكَ أَيْضًا تَنْشَأُ فِي الْأَمْزِجَةِ الْمُتَعَفِّنَةِ الْحُمَّى.
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَطْوَارِ الَّتِي مَرَّتْ عَلَى مَادَّةِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ.
وَتَوْكِيدُ الْجُمْلَة بلام الْقسم وَبِحَرْفِ (قد) لزِيَادَة التَّحْقِيق تَنْبِيهًا عَلَى أَهَمِّيَّةِ هَذَا الْخَلْقِ وَأَنَّهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
وَعَطْفُ جُمْلَةِ وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ إِدْمَاجٌ وَتَمْهِيدٌ إِلَى بَيَانِ نَشْأَةِ الْعَدَاوَة بَين بني آدَمَ وَجُنْدِ إِبْلِيسَ.
وَأُكِّدَتْ جُمْلَةُ وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ بِصِيغَةِ الِاشْتِغَالِ الَّتِي هِيَ تَقْوِيَةٌ للْفِعْل بِتَقْدِير نَظِيره الْمَحْذُوفِ، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الِاهْتِمَامِ بِالْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ لِمِثْلِ الْغَرَضِ الَّذِي أُكِّدَتْ بِهِ جُمْلَةُ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ الْخَ.