وَبِهَذَا السُّلُوكُ تَقُومُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِتَبْلِيغِ الْقُرْآنِ إِلَيْهِمْ وَيُعَادُ إِسْمَاعُهُمْ إِيَّاهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ لِتَقُومَ الْحُجَّةُ.
فَضَمِيرُ نَسْلُكُهُ وبِهِ عَائِدَانِ إِلَى الذِّكْرَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ [سُورَة الْحجر: 9] أَيِ الْقُرْآنِ.
وَالْمُجْرِمُونَ هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ.
وَجُمْلَةُ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ بَيَانٌ لِلسَّلْكِ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَوْ حَالٌ مِنَ الْمُجْرِمِينَ، أَيْ تَعِيَهُ عُقُولُهُمْ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِهِ. وَهَذَا عَامٌّ مُرَادٌ بِهِ مَنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ مِنْهُمْ. وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَقْتًا مَا.
وَجُمْلَةُ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَجُمْلَةِ وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ [الْحجر: 14] الْخَ.
وَالْكَلَامُ تَعْرِيضٌ بِالتَّهْدِيدِ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ مُعَامَلَةً لِلنَّظِيرِ بِنَظِيرِهِ، لِأَنَّ كَوْنَ سُنَّةِ الْأَوَّلِينَ مَضَتْ أَمْرٌ مَعْلُومٌ غَيْرُ مُفِيدٍ ذِكْرُهُ، فَكَانَ الْخَبَرُ مُسْتَعْمَلًا فِي لَازِمِهِ بِقَرِينَةِ تَعَذُّرِ الْحَمْلِ عَلَى أَصْلِ الْخَبَرِيَّةِ.
وَالسُّنَّةُ: الْعَادَةُ الْمَأْلُوفَةُ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [137] . وَإِضَافَتُهَا إِلَى الْأَوَّلِينَ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةُ اللَّهِ فِيهِمْ لِأَنَّهَا الْمَقْصُودُ هُنَا، وَالْإِضَافَةُ لأدنى مُلَابسَة.
[14، 15]
وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (14) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (15)
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ [سُورَة الْحجر: 13] وَهُوَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِإِبْطَالِ جَمِيعِ مَعَاذِيرِهِمْ من قَوْلهم: لَوْ مَا تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ سُورَة الْحجر [7] وَقَوْلهمْ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ [سُورَة الْحجر: 6]