ثُمَّ زَادَ ذَلِكَ ارْتِقَاءً وَنِكَايَةً لَهُمْ بِأَنَّ مُنْزِلَ الذَّكَرِ هُوَ حَافِظُهُ مِنْ كَيْدِ الْأَعْدَاءِ فَجُمْلَةُ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْوَاوُ اعْتِرَاضِيَّةٌ.
وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ بِاللَّامِ عَائِدٌ إِلَى الذِّكْرَ، وَاللَّامُ لِتَقْوِيَةِ عَمَلِ الْعَامِلِ لِضَعْفِهِ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ مَعْمُولِهِ.
وَشَمَلَ حَفِظُهُ الْحِفْظَ مِنَ التَّلَاشِي، وَالْحِفْظَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيهِ، بِأَنْ يَسَّرَ تَوَاتُرَهُ وَأَسْبَابَ ذَلِكَ، وَسَلَّمَهُ مِنَ التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ حَتَّى حَفِظَتْهُ الْأُمَّةُ عَنْ ظُهُورِ قُلُوبِهَا مِنْ حَيَاةِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَقَرَّ بَيْنَ الْأُمَّةِ بِمَسْمَعٍ مِنَ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَارَ حُفَّاظُهُ بِالِغِينَ عَدَدَ التَّوَاتُرِ فِي كُلِّ مِصْرٍ.
وَقَدْ حَكَى عِيَاضٌ فِي «الْمَدَارِكِ» : أَنَّ الْقَاضِيَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ حَمَّادٍ الْمَالِكِيَّ
الْبَصْرِيَّ (?) سُئِلَ عَنْ السِّرِّ فِي تَطَرُّقِ التَّغْيِيرِ لِلْكُتُبِ السَّالِفَةِ وَسَلَامَةِ الْقُرْآنِ مِنْ طرقِ التَّغْيِيرِ لَهُ. فَأَجَابَ بِأَنَّ اللَّهَ أَوْكَلَ لِلْأَحْبَارِ حِفْظَ كُتُبِهِمْ فَقَالَ: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [سُورَة الْمَائِدَة: 44] وَتَوَلَّى حِفْظَ الْقُرْآنِ بِذَاتِهِ تَعَالَى فَقَالَ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.
قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنِ الْمُنْتَابِ ذَكَرْتُ هَذَا الْكَلَامَ لِلْمُحَامِلِيِّ فَقَالَ لِي: لَا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ (?) .