وَطَلَبُ تَأْخِيرِ الْعَذَابِ إِنْ كَانَ مُرَادًا بِهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ فَالتَّأْخِيرُ بِمَعْنَى تَأْخِيرِ الْحِسَابِ، أَيْ يَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا: أَرْجِعْنَا إِلَى الدُّنْيَا لِنُجِيبَ دَعْوَتَكَ. وَهَذَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ [سُورَة الْمُؤْمِنُونَ: 99، 100] ، فَالتَّأْخِيرُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِعَادَةِ إِلَى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَجَازًا مُرْسَلًا بِعَلَاقَةِ الْأَوَّلِ. وَالرُّسُلُ جَمِيع الرُّسُل الَّذِي جَاءُوهُمْ بِدَعْوَةِ اللَّهِ.
وَإِنَّ حُمِلَ عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا فَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَقُولُونَ ذَلِكَ حِينَ يَرَوْنَ ابْتِدَاءَ الْعَذَابِ فِيهِمْ. فَالتَّأْخِيرُ عَلَى هَذَا حَقِيقَةً. وَالرُّسُلُ عَلَى هَذَا الْمَحْمَلِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَاحِدِ
مَجَازًا، وَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْقَرِيبُ: الْقَلِيلُ الزَّمَنِ. شَبَّهَ الزَّمَانَ بِالْمَسَافَةِ، أَيْ أَخِّرْنَا مِقْدَارَ مَا نُجِيبُ بِهِ دَعْوَتَكَ.
أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (45) لَمَّا ذُكِرَ قَبْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ طَلَبُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ رَبِّهِمْ تَعَيَّنَ أَنَّ الْكَلَامَ الْوَاقِعَ بَعْدَهَا يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ عَنْ طَلَبِهِمْ فَهُوَ بِتَقْدِيرِ قَوْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ يُقَالُ لَهُمْ. وَقَدْ عُدِلَ عَنِ الْجَوَابِ بِالْإِجَابَةِ أَوِ الرَّفْضِ إِلَى التَّقْرِيرِ وَالتَّوْبِيخِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ رَفْضَ مَا سَأَلُوهُ.
وَافْتُتِحَتْ جُمْلَةُ الْجَوَابِ بِوَاوِ الْعَطْفِ تَنْبِيهًا عَلَى مَعْطُوفٍ عَلَيْهِ مُقَدَّرٍ هُوَ رَفْضُ مَا سَأَلُوهُ، حُذِفَ إِيجَازًا لِأَنَّ شَأْنَ مُسْتَحِقِّ التَّوْبِيخِ أَنْ لَا يعْطى سؤله. التَّقْدِير كَلَّا وَأَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ.. الْخَ.
وَالزَّوَالُ: الِانْتِقَالُ مِنَ الْمَكَانِ. وَأُرِيدَ بِهِ هُنَا الزَّوَالُ مِنَ الْقُبُورِ إِلَى الْحِسَابِ.