وَالْكُفْرُ مُرَادٌ بِهِ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَهُوَ مُقَابَلَةُ الْمُنْعِمِ بِالْعِصْيَانِ. وَأَعْظَمُ الْكُفْرِ جَحْدُ الْخَالِقِ أَوْ عِبَادَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ وَهُوَ الْإِشْرَاكُ، كَمَا أَنَّ الشُّكْرَ مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ وَالطَّاعَةِ.
وَاسْتَغْنَى بِ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ عَن لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً [النَّمْل: 21] لِكَوْنِهِ أَعَمَّ وَأَوْجَزَ، وَلِكَوْنِ إِفَادَةِ الْوَعِيدِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّعْرِيضِ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ. وَالْمَعْنَى: إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ لِمَنْ كَفَرَ فَأَنْتُمْ إِذن مِنْهُم.
[8]
وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (8)
أُعِيدَ فِعْلُ الْقَوْلِ فِي عَطْفِ بَعْضِ كَلَامِ مُوسَى- عَلَيْهِ السَّلَامُ- عَلَى بَعْضٍ لِئَلَّا يُتَوَّهَّمَ
أَنَّ هَذَا مِمَّا تَأَذَّنَ بِهِ الرَّبُّ وَإِنَّمَا هُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى كَلَامِ اللَّهِ. وَفِي إِعَادَةِ فِعْلِ الْقَوْلِ اهْتِمَامٌ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَتَنْوِيهٌ بِهَا حَتَّى تَبْرُزَ مُسْتَقِلَّةً وَحَتَّى يُصْغِيَ إِلَيْهَا السَّامِعُونَ لِلْقُرْآنِ.
وَوَجْهُ الِاهْتِمَامِ بِهَا أَنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ إِلَى اللَّهِ بِإِيمَانِهِمْ، وَأَنَّ أَنْبِيَاءَهُمْ حِينَ يُلِحُّونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِيمَانِ إِنَّمَا يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ تَعْزِيزَ جَانِبِهِمْ والحرص على مصحلتهم. فَلَمَّا وَعَدَهُمْ عَلَى الشُّكْرِ بِالزِّيَادَةِ وَأَوْعَدَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ بِالْعُقُوبَةِ خَشِيَ أَنْ يَحْسَبُوا ذَلِكَ لِانْتِقَامِ الْمُثِيبِ بِمَا أَثَابَ عَلَيْهِ، وَلِتَضَرُّرِهِ مِمَّا عَاقَبَ عَلَيْهِ، فَنَبَّهَهُمْ إِلَى هَذَا الْخَاطِرِ الشَّيْطَانِيِّ حَتَّى لَا يَسْرِيَ إِلَى نُفُوسِهِمْ فَيُكْسِبَهُمْ إِدْلَالًا بِالْإِيمَانِ وَالشُّكْرِ وَالْإِقْلَاعِ عَنِ الْكُفْرِ.
وأَنْتُمْ فُصِلَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ إِذْ كَانَ هَذَا الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ ضَمِيرًا مُتَّصِلًا.