لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
هَذَا مِنْ رَدِّ الْعَجُزِ عَلَى الصَّدْرِ فَهِيَ مُرْتَبِطَةٌ بِجُمْلَةِ ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [سُورَة يُوسُف: 102] وَهِيَ تَتَنَزَّلُ مِنْهَا مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مَعْنَى الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ مِنَ التَّعْجِيبِ، وَمَا تَضَمَّنَهُ مَعْنَى وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ مَعَ دَلَالَةِ الْأُمِّيَّةِ.
وَهِيَ أَيْضًا تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّذْيِيلِ لِلْجُمَلِ الْمُسْتَطْرَدِ بِهَا لِقَصْدِ الِاعْتِبَارِ بِالْقِصَّةِ ابْتِدَاءً مِنْ قَوْلِهِ: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ [يُوسُف: 103] .
فَلَهَا مَوَاقِعُ ثَلَاثَةٌ عَجِيبَةٌ مِنَ النَّظْمِ الْمُعْجِزِ.
وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِ (قَدْ) وَاللَّامِ لِلتَّحْقِيقِ.
وَأُولُو الْأَلْبَابِ: أَصْحَابُ الْعُقُولِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبابِ فِي أَوَاسِطِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [197] .
وَالْعِبْرَةُ: اسْمُ مَصْدَرٍ لِلِاعْتِبَارِ، وَهُوَ التَّوَصُّلُ بِمَعْرِفَةِ الْمُشَاهَدِ الْمَعْلُومِ إِلَى مَعْرِفَةِ الْغَائِبِ وَتُطْلَقُ الْعِبْرَةُ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الِاعْتِبَارُ الْمَذْكُورُ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا هُنَا. وَمَعْنَى كَوْنِ الْعِبْرَةِ فِي قِصَصِهِمْ أَنَّهَا مَظْرُوفَةٌ فِيهِ ظَرْفِيَّةً مَجَازِيَّةً، وَهِيَ ظَرْفِيَّةُ الْمَدْلُولِ فِي الدَّلِيلِ فَهِيَ قَارَّةٌ فِي قِصَصِهِمْ سَوَاءٌ اعْتَبَرَ بِهَا مَنْ وَفِّقَ لِلِاعْتِبَارِ أَمْ لَمْ يَعْتَبِرْ لَهَا
بَعْضُ النَّاسِ.
وَجُمْلَةُ مَا كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى إِلَى آخِرِهَا تَعْلِيلٌ لِجُمْلَةِ لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَصَصَ خَبَرُ صِدْقٍ مُطَابِقٌ لِلْوَاقِعِ وَمَا هُوَ بِقِصَّةٍ