(82)
اسْتَيْأَسُوا بِمَعْنَى يَئِسُوا فَالسِّينُ وَالتَّاءُ لِلتَّأْكِيدِ، وَمِثْلُهَا فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ [سُورَة يُوسُف: 34] وفَاسْتَعْصَمَ.
وَالْيَأْسُ مِنْهُ: الْيَأْسُ مِنْ إِطْلَاقِهِ أَخَاهُمْ، فَهُوَ مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالذَّاتِ. وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَحْوَالِهَا بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ اسْتَيْأَسُوا بِتَحْتِيَّةٍ بَعْدَ الْفَوْقِيَّةِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَ التَّحْتِيَّةِ عَلَى أَصْلِ التَّصْرِيفِ. وَقَرَأَهُ الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِخُلْفٍ عَنْهُ بِأَلِفٍ بَعْدَ الْفَوْقِيَّةِ ثُمَّ تَحْتِيَّةٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْقَلْبِ فِي الْمَكَانِ ثُمَّ إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ.
وخَلَصُوا بِمَعْنَى اعْتَزَلُوا وَانْفَرَدُوا. وَأَصْلُهُ مِنَ الْخُلُوصِ وَهُوَ الصَّفَاءُ مِنَ الْأَخْلَاطِ. وَمِنْهُ قَول عبد الرحمان بْنِ عَوْفٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فِي آخِرِ حَجَّةٍ حَجَّهَا حَيْثُ عَزَمَ عُمَرُ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى أَنْ يَخْطُبَ فِي النَّاسِ فَيُحَذِّرَهُمْ مِنْ قَوْمٍ يُرِيدُونَ الْمُزَاحَمَةَ فِي الْخِلَافَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالَ عبد الرحمان بْنُ عَوْفٍ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النَّاسِ فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ ... » إِلَخْ.
وَالنَّجِيُّ: اسْمٌ مِنَ الْمُنَاجَاةِ، وَانْتِصَابُهُ على الْحَال. وَلما كَانَ الْوَصْفُ بِالْمَصْدَرِ يُلَازِمُ الْإِفْرَادَ وَالتَّذْكِيرَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ هُمْ نَجْوى. وَالْمَعْنَى: انْفَرَدُوا تَنَاجِيًا.
وَالتَّنَاجِي: الْمُحَادَثَةُ سِرًّا، أَيْ مُتَنَاجِينَ.
وَجُمْلَةُ قالَ كَبِيرُهُمْ بَدَلٌ مِنْ جُمْلَةِ خَلَصُوا نَجِيًّا وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، لِأَنَّ الْمُنَاجَاةَ تَشْتَمِلُ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قَوْلُ كَبِيرِهِمْ هَذَا، وَكَبِيرُهُمْ هُوَ أَكْبَرُهُمْ سَنًّا وَهُوَ رُوبِينُ بِكْرُ يَعْقُوبَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَلَمْ تَعْلَمُوا تَقْرِيرِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّذْكِيرِ بِعَدَمِ اطْمِئْنَانِ أَبِيهِمْ بِحِفْظِهِمْ لِابْنِهِ.
وَجُمْلَةُ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ. وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ تَفْرِيطُكُمْ فِي يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَوْثِقِ، أَيْ فَهُوَ غَيْرُ مُصَدِّقِكُمْ فِيمَا