قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
عَبَرَ الرُّؤْيَا بِجَمِيعِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ، فَالْبَقَرَاتُ لِسِنِينِ الزِّرَاعَةِ، لِأَنَّ الْبَقَرَةَ تُتَّخَذُ لِلْإِثْمَارِ.
وَالسِمَنُ رَمْزٌ لِلْخِصْبِ. وَالْعَجَفُ رَمْزٌ لِلْقَحْطِ. وَالسُّنْبُلَاتُ رَمْزٌ لِلْأَقْوَاتِ فَالسُّنْبُلَاتُ الْخُضْرُ رَمْزٌ لِطَعَامٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَكَوْنُهَا سَبْعًا رَمَزٌ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فِي السَّبْعِ السِّنِينَ، فَكُلُّ سُنْبُلَةٍ رَمْزٌ لِطَعَامِ سَنَةٍ، فَذَلِكَ يَقْتَاتُونَهُ فِي تِلْكَ السِّنِينِ جَدِيدًا.
وَالسُّنْبُلَاتُ الْيَابِسَاتُ رَمْزٌ لِمَا يُدَّخَرُ، وَكَوْنُهَا سَبْعًا رَمْزٌ لِادِّخَارِهَا فِي سَبْعِ سِنِينَ لِأَنَّ الْبَقَرَاتِ الْعِجَافَ أَكَلَتِ الْبَقَرَاتِ السِّمَانَ، وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ: أَنَّ سِنِي الْجَدْبِ أَتَتْ عَلَى مَا أَثْمَرَتْهُ سِنُو الْخِصْبِ.
وَقَوْلُهُ: تَزْرَعُونَ خَبَرٌ عَمَّا يَكُونُ مِنْ عَمَلِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الزَّرْعَ عَادَتُهُمْ، فَذِكْرُهُ إِيَّاهُ تَمْهِيدٌ لِلْكَلَامِ الْآتِي وَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِ دَأَباً.
وَالدَّأَبُ: الْعَادَةُ وَالِاسْتِمْرَارُ عَلَيْهَا. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [11] . وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ يَزْرَعُونَ، أَيْ كَدَأْبِكُمْ. وَقَدْ مَزَجَ تَعْبِيرَهُ بِإِرْشَادٍ جَلِيلٍ لِأَحْوَالِ التَّمْوِينِ وَالِادِّخَارِ لِمَصْلَحَةِ الْأُمَّةِ. وَهُوَ مَنَامٌ حِكْمَتُهُ كَانَتْ رُؤْيَا
الْمَلِكِ لُطْفًا مِنَ اللَّهِ بِالْأُمَّةِ الَّتِي آوَتْ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَوَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَى يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِوَاسِطَةِ رُؤْيَا الْمَلِكِ، كَمَا أَوْحَى إِلَى سُلَيْمَانَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِوَاسِطَةِ الطَّيْرِ. وَلَعَلَّ الْمَلِكَ قَدِ اسْتَعَدَّ لِلصَّلَاحِ وَالْإِيمَانِ.